للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَلِك، وَحَسِيبُهُ اللهُ، وَلاْ يُزَكِّي عَلَى اللهِ أحداً".

ــ

أو كذا" أي أظن أن فيه صفة كذا من صفات الخير " إن كان يرى أنه كذلك " أي إن كان يعتقد أن تلك الصفة موجودة فيه " وحسيبه الله " أي والله وحده المطلع على سريرته العالم بحقيقته، " ولا يزكي على الله أحداً " أي لا يقطع لأحد بكمال الإِيمان أو بالسعادة والجنة إلَّا الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه يكره المبالغة في المدح والثناء، لأن ذلك ضرب، من التملق الذي لا يقره الإسلام، سيما إذا كانت هذه الصفة لا توجد في الممدوح، فإنه بذلك يجمع بين التملق والكذب معاً. وكذلك يكره المدح مطلقاً إذا كان يخشى على الممدوح أن يركبه الغرور والإعجاب بنفسه، أما المديح بالباطل فإنه حرام ومعصية، كما يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن كان يرى أول كذلك " مفهومه أنه إذا لم يكن كذلك، فإنه لا يجوز، لأنه كذب وملق ونفاق، وقدا جاء التحذير الشديد من المداحين بالباطل في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أُحثوا في وجوه المدَّاحين التراب " قال بعض أهل العلم: معناه زجر المادح، ومنعه عن (١) الاسترسال في مديحه، لأن سماع مثل هذا يدفع الممدوح إلى الكِبْرِ والغرور (٢) وقال الخطابي: المداحون هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة لهم، وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح. ثانياًً: دل الحديث على جواز المدح بثلاثة شروط: الأول: أن يكون المادح صادقاً فيما يقول في ممدوحه حسب اعتقاده (٣)، كما يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - " إن كان يرى أنه كذلك "، الثاني: أن لا يخشى على الممدوح أن يغتر بذلك المديح، فتتغير نفسه، وتفسد أخلاقه،


(١) " المرقاة شرح المشكاة " للقاري ج ٤.
(٢) قال أهل العلم: المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: " احثوا في وجوه المداحين التراب " الذين يمدحون الناس في وجوههم بالباطل بما ليس فيهم.
(٣) أما مدحه لمصلحة شرعية كالشهادة، أو التزكية، أو الدفاع عنه في غيبته، فإن ذلك قد يكون واجباً.

<<  <  ج: ص:  >  >>