وَلا تَبَاغضُوا، ولا تَدَابَرُوا، وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً".
ــ
المسلمين " ولا تناجشوا " أي لا يزد أحدكم على أخيه في ثمن السلعة دون رغبة في شرائها ليخدع المشتري، " ولا تحاسدوا " أي لا يحسد بعضكم بعضاً فيتمنى زوال نعمته، سواء أتمنى انتقالها إليه، أو لا، قال تعالى (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ -إلى أن قال- وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) " ولا تباغضوا " أي اجتنبوا الأسباب المؤدية إلى البغض والتنافر فيما بينكم من الشتم وسوء المعاملة ونحو ذلك، أو لا تستسلموا لمشاعر البغض والكراهية، وتنفذوا ما تدعوكم إليه من إيذاء الناس وظلمهم إلخ، فإنّ ذلك في مقدوركم " ولا تدابروا " أي لا يهجر بعضكم بعضاً من الإِدبار، وهو الإِعراض المؤدي إلى العداوة والقطيعة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: تحريم العمل بسوء الظن الذي لا يستند إلى دليل والاستجابة له في توجيه التهمة إلى المسلمين لمجرد خاطر نفسي، قال القرطبي: المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها، كمن يتهم رجلاً بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها، فينبغي للمسلم إذا ظن ظناً سيئاً لا دليل عليه أن لا يحققه بالعمل والقول فقد جاء في الحديث عن حارثة بن النعمان رضي الله عنه: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث لازمات أمتي الطيرة، والحسد، وسوء الظن" فقال رجل: وما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه؟ قال: " إِذا حسدت فاستغفر الله، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض " أخرجه الطبراني (١). ثانياًً: قال عياض: استدل قوم بهذا الحديث على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي، وهو زعم باطل، قال: "وليس المراد بالظن ما يتعلق بالاجتهاد الذي يتعلق بالأحكام أصلاً، بل الاستدلال به لذلك
(١) قال الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد " (٨/ ٧٨) وفيه إسماعيل بن قيس الأنصاري، وهو ضعيف. (ع).