للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصبح يكشف ستر الله عنه" وذلك لأنه لا يريد الستر، وإنما يريد الفضيحة، حيث يراها في نظره مفخرة ومباهاة.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه يجب على من ابتلي بمعصية أن يستر على نفسه، وهو ما ترجم له البخاري، وقد جاء الأمر الصريح بالستر في حديث آخر، فقد روى ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله " أخرجه الحاكم (١)، كما أخرجه مالك مرسلاً من حديث زيد بن أسلم (٢). ويدل الحديث على أن ارتكاب المعصية مع سترها أهون وأخف من المجاهرة بها، لأن المعصية مع الستر تقبل العفو الإِلهي، أما مع المجاهرة فإنه لا يعفى عنها، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " كل أمتي معافى إلَّا المجاهرون " وذلك لأن المجاهرة وقاحة وجرأة وانتهاك لحدود الله، واستخفاف بالشريعة كما قال - صلى الله عليه وسلم - " وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملتُ البارحة كذا " قال ابن بطال في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله. ثانياً: أن المجاهر بالمعصية يجوز اغتيابه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفه بالمجانة، وهي الاستخفاف بمحارم الله، والتباهي بها أمام الناس، ومن كان هذا حاله ينبغي التشهير به فيجوز اغتيابه، لأنه نزع جلباب الحياء، فلا حرمة ولا كرامة له في نظر الإسلام، وأخذ بعضهم جواز غيبة المجاهر من قوله - صلى الله عليه وسلم - " كل أمتي معافى إلَّا المجاهرون " (٣) قال معناه: أن كل واحد من العصاة معافي من الغيبة، فيجب أن يترك عرضه سليماً، ولا يغتابه أحد، إلَّا المجاهر فإنه يجوز انتهاك عرضه بالغيبة، لأنه غير معافى، ولا صيانة لعرضه، ولا كرامة له، وهو استدلال وجيه. الحديث: أخرجه


(١) والبيهقي في " السنن ". (ع).
(٢) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا. (ع).
(٣) كما جاء في الحديث: " من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له " رواه البيهقي في " سننه " (١٠/ ٢١٠) وإسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>