قويت إرادته، وكمل إيمانه ودينه وأصبح له السلطان القاهر على جميع انفعالاته النفسية. ثانياً: دل الحديث على أن الغضب وإن كان غريزة نفسية جبارة، إلَّا أنه يمكن مقاومته بعد وقوعه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " ويمكن مقاومة الغضب قبل وقوعه ووقاية النفس منه باجتناب الأسباب المثيرة للغضب، كالخصام والجدال، والمزاح، والسخرية، والاستهزاء، إلى غير ذلك. والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي الدرداء:" لا تغضب " ثلاث مرات أي تجنب دواعي الغضب، والأسباب التي تؤدّي إليه لئلا تقع فيه ولهذا قال العلماء: للغضب دواءان: (أ) دواء وقائي: قبل وقوعه: وهو تجنب أسبابه والابتعاد عن المواقف المؤدّية إليه. كمجالسة السفهاء، ومخالطة الأشرار، وتناول المشروبات المهيجة للأعصاب، وأن يكثر من الاستغفار، وقَول: لا حول ولا قوة إلا بالله بصدق وإخلاص، فإن فيها شفاءً من أدواء كثيرة ... (ب) ودواء علاجي بعد وقوعه: وهو مقاومة النفس عن الاستسلام والانقياد له، وكفها عن الظلم والعدوان، ثم هناك وسائل أخرى للتخفيف من حدة الغضب، أو القضاء عليه نهائياً، كالاستعاذة بالله من الشيطان، والغسل، والوضوء، وتغيير الحالة التي يكون عليها الإِنسان، فإن غضب وهو قائم جلس، أو اضطجع. ثالثاً: أن مقاومة الغضب وامتلاك النفس عند وقوعه من أفضل الأعمال الصالحة التي يثاب عليها، ولولا ذلك لما أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها كل هذا الثناء، وفي الحديث عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رأس الخلائق حتى يخيره في أي الحور شاء " أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجة، وفي رواية:" من كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة ". الحديث: أخرجه الشيخان والنسائي. والمطابقة: من حيث أن فيه (١) الإِغراء على التحذير من الغضب.
(١) كما أفاده العيني، وهذا الإغراء في قوله: " إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ".