للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوعان: زنا الفرج، وزنا الجوارح، فالجوارح كلها تزني زنى يأثم عليه الإِنسان، ولكنه أقل إثماً من زنا الفرج، فزنا العين النظر إلى المرأة الأجنبية بشهوة، وزنا اللسان التحدث إليها بشهوة، وقس على ذلك بقية الجوارح. ثم اعلم أن زنا الجوارح هذا هو من مقدمات الزنا، وقد سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - زنا لأنه من الأسباب الخطيرة المؤدية إليه، قال ابن بطال: سمي النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي " والنفس تمنّى وتشتهي " أي وقد ركب الله في النفس غريزة الجنس التي تشتهي أن تشبع رغبتها الجنسية " والفرج يصدّق ذلك ويكذبه " أي ولا يعد زنا الجوارح زنا حقيقياً وكبيرة من الكبائر إلاّ بفعل الفرج فإن الفرج وحده هو الذي يصدّق الزنا ويحققه بالوطء، أو يكذبه بعدمه.

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: التحذير الشديد من جميع أسباب الزنا ومقدماته، كالنظر إلى المرأة الأجنبية، والحديث إليها، وسماع حديثها، ولمسها بشهوة، فإن ذلك محرّم، وإن كان من الصغائر، وقد سماه النبي - صلى الله عليه وسلم - زنا تنبيهاً على خطورته، لأنه يؤدى إلى الزنا، ويسوق إليه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " النظرة سهم مسموم من سهام إبليس " (١) وقال الشاعر:

كُلُّ المَهَالِكِ مَبْدَاهَا مِنَ النَظَر ... وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَر

ثانياً: أن هذه المقدمات المذكورة في الحديث من النظر، والحديث، واللمس بشهوة، كل ذلك من اللمم - أي من صغائر الذنوب كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. ثالثاً: أن الزنا نوعان: زنا الفرج، وهو من الكبائر، وزنا الجوارح وهو من الصغائر، ولكنه طريق المخاطر. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود. والمطابقة: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فزنا العين النظر ".

...


(١) رواه الطبراني عن ابن مسعود، والحاكم عن حذيفة، إسناده ضعيف. (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>