إذا اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله" من الخوف والقلق والهموم النفسية واستولى عليه اليأس فاستسلم للموت جوعاً وعطشاً وما كان منه إلا أن " قال: ارجع إلى مكاني فرجع فنام، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده " وعليها طعامه وشرابه، فلما فوجىء هذه المفاجأة السارة، وعاد إليه الأمن والاطمئنان، واستبشر بالسلامة والنجاة، قال كما في رواية أخرى: " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطأ من شدة الفرح، فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: قوة حساسية المؤمن، وشدة خوفه من الله، واستعظامه لما يتعرض له من صغائر الذنوب، حيث يراها كالجبال الضخمة التي توشك أن تقع عليه فتهلكه. وقسوة قلب الفاجر، وعدم إحساسه بالذنوب. ولو كانت كبائر، لأنه يراها كالذباب يمر على وجهه، فلا يلقي لها بالاً. ثانياًً: قبول التوبة الصادقة وفرح الله تعالى بها، ورضاه عن صاحبها، فالتوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها ولكن لها شروط ثلاثة: الأول: ترك المعصية والابتعاد عنها بالكلية، لأن الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين .. كما قال الفضيل بن عياض. وسمع أعرابي وهو متعلق بأستار الكعبة يقول: اللهم إن إستغفاري مع إصراري للؤمٌ. وإن تركي استغفارك مع علمي بسعة عفوك لَعَجْز، فكم تتحبب إليّ بالنعم مع غناك عني، وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك إلخ. الثاني: الإِحساس بالذنب والندم عليه، وتألم النفس منه: الثالث: العزم على أن لا يعود إليه. قال ابن حجر: فإن كان عليه حق كقضاء صلاة فلا يسامح بصرف وقت في نفل وفرض كفاية لم يتعين عليه، أي بل يبدأ أولاً بقضاء الفرائض حتى إذا قضاها جميعاً التفت إلى النوافل، فإن كان عليه حق للآدميين فلا تقبل التوبة إلاّ بالتخلص منه، ورد المظلمة إلى صاحبها، أو تحصيل البراءة منه كما قال النووي. ثالثاً: دل الحديث على أن العبد لا يؤاخذ بالخطأ اللساني الذي يقوله في حال دهشته وذهوله، لأن هذا الرجل قال من شدة الفرح: " اللهم أنت عبدي وأنا ربك ". الحديث: أخرجه