للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من صحتك لمرضك" قال ابن رجب (١): معناه اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها السقم " ومن حياتك لموتك " أي واغتنم في حياتك الدنيا ما ينفعك بعد موتك، كما قال تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة: ٤٨].

فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه ينبغي للعاقل أن لا يغتر بالدنيا ويجعلها أكبر همه، بل يفكر في مصيره ورحيله عنها إلى دار القرار، فما هو إلاّ عابر سبيل، وقد قال الشاعر:

سَبيْلُكَ في الدُّنْيا سَبيلُ مسافِر ... وَلَا بُدَّ مِنْ زَادٍ لكلِّ مُسَافِرِ

وقال آخر (٢):

وَمَا هَذ الأيَّامُ إلَّا مراحِلٌ ... تَمُر وَتُطْوَى والمُسَافِرُ قَاعِدُ

وإنما أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتفكير في الموت، والانتقال إلى عالم آخر، يجازى فيه ْالمرء على أعماله، خيراً أو ضراً، لأن مجرد التفكير في ذلك المصير المحتوم، وفي ْذلك الموقف العظيم، يؤدي بالعبد إلى الاستقامة وحسن السلوك، والمواظبة على صالح الأعمال، فإن الغرور بالدنيا، والاستغراق في حبّها، والتكالب عليها هو سبب كل الشرور التي تعانيها الإنسانية اليوم، من ظلم، واستبداد، وقلق، وعدوان، وهو مصداق الخبر: " حب الدنيا (٣) رأس كل خطيئة " (٤) أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " بإسناده إلى الحسن البصري رفعه مرسلاً وقيل: هو من قول عيسى عليه السلام، قيل: من قول مالك بن دينار وقال شيخ الإسلام


(١) " جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي.
(٢) " الفتوحات الوهبية في شرح الأربعين النووية " للشبرخيتي المالكي.
(٣) " مشكاة المصابيح " وشرحها للقاري ج ٥.
(٤) وعن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " هل من أحد يمشي على الماء إلا ابتلت قدماه؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: كذلك صاحب الدنيا لا يسلم من الذنوب " رواه البيهقي في " شعب الإيمان " وإسناده ضعيف. (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>