ينوب عنها في قضاء ذلك النذر " فكانت سنة بعد " أي فكانت فتوى النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة يعمل بها بعده.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: مشروعية قضاء النذر عن الميت، وقد اختلف أهل العلم في النذور التي تقضى عن الميت، قال ابن قدامة: من نذر حجّاً، أو صوماً، أو صدقة، أو عتقاً، أو اعتكافاً أو صلاة، أو غيره من الطاعات، ومات قبل فعله، فعله الولي عنه، وعن أحمد في الصلاة لا يُصلّى عن الميت، لأنها لا يدل لها بحال، وأما سائر الأعمال فيجوز أن ينوب الولي عنه فيها، وليس بواجب، ولكن يستحب له ذلك على سبيل الصلة والمعروف. قلت: وحاصل الخلاف في قضاء النذر عن الميت أربعة أقوال (١): الأول: أنه تقضى عنه جميع الطاعات بدنية كانت أو مالية وهو مذهب الحنابلة. الثاني: أنه تقضى عنه جميع الطاعات ما عدا الصلاة، وهو رواية عن أحمد وقول للشافعي. الثالث: تقضى عنه جميع الطاعات ما عدا الصلاة والصوم، وهو أحد قولي الشافعي حيث قال في الصيام: يطعم عنه كل يوم مسكيناً. الرابع: أنه تقضي عنه الطاعات المالية دون البدنيّة، وهو مذهب مالك رحمه الله. ثانياً: أن قضاء النذر على ولي الميت مستحب وليس بواجب، إلاّ أن يكون مالياً وللميت تركه، وأما ما روي عن ابن عباس أنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أمّي ماتت وعليها صومٌ، أفأصوم عنها؟ فقال:" أرأيت لو كان على أمّك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها؟ " قالت: نعم، قال:" فصومي عن أمك " متفق عليه، فإن أمره - صلى الله عليه وسلم - في هذا محمول على الندب والاستحباب بدلائل قرائن في الخبر، منها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبهه بالدين، وقضاء الدين عن الميت، لا يجب على الوارث ما لم يخلّف تركة يقضى بها. وقال أهل الظاهر: يجب القضاء على وليه لظاهر الأخبار. الحديث: أخرجه الستة. والمطابقة: في كون الحديث بمنزلة الجواب عن الترجمة.
(١) كما أفاده ابن قدامة في " المغني " وكما يدل عليه حاصل كلامه.