فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه ليس لشارب الخمر حد شرعي، وإنما عقوبته عقوبة تعزير لا حد، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " اضربوه " ولم يعين قدراً محدوداً من الضرب، ولا عدداً معيناً منه. ولقول علي رضي الله عنه:" ما كنت لأقيم حداً على أحد فيموت فأجد في نفسي إلاّ صاحب الخمر، فإنه لو مات لوديته " أي دفعت ديته، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يسنه، أي لم يضع له حداً شرعياً. وكل جريمة لا حد لها فعقوبتها تعزير وهي موكولة إلى اجتهاد الإِمام وقد اختلف أهل العلم في عقوبة شارب الخمر هل هي حد أو تعزير على ثلاثة أقوال: الأول: أنها تعزير أي تأديب مفوّض إلى اجتهاد الإِمام، وبهذا قال بعض أهل العلم، منهم الطحاوي ورجح الشوكاني أنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدار معيّن من العقوبة، وأن عقوبة شارب الخمر ترجع إلى اجتهاد الإمام، ومؤدى كلامه هذا أن عقوبته تعزير لا حد. القول الثاني: أن شارب الخمر يعاقب حداً مقداره ثمانون جلدة، وبهذا قال مالك والثوري وأبو حنيفة ومن تبعهم لإجماع الصحابة، فإنه روي أن عمر رضي الله عنه استشار الناس في حد الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعله كأخف الحدود ثمانين جلدة، فضربه عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام، وروي أن علياً قال في المشورة: إنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فَحدّه حد المفتري. الثالث: أنها حدٌّ مقداره أربعون جلدة، وهو اختيار الصديق رضي الله عنه، ومذهب الشافعي، لأن علياً جلد الوليد بن عقبة أربعين، ثم قال:" جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة، وهذا أحب إليَّ " رواه مسلم. قال ابن قدامة: ولا ينعقد الإِجماع على ما خالف فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعلي رضي الله عنهما، فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير، ويجوز فعلها إذا رآه الإِمام. ويتلخص مما ذكرنا أن في عقوبة الخمر ثلاثة مذاهب:
١ - أنّها تعزير محض، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسن في ذلك حداً معيناً، ولإمام المسلمين أن يعاقب الشارب بما أدى إليه اجتهاده.