ويبخل العالم بعلمه، ويبخل الصانع بصناعته، " وتظهر الفتن " أي تتكاثر الأمور الكريهة التي تضر الناس في دينهم ودنياهم من الخيانة والظلم والحرائق والزلازل وانتشار المعاصي " ويكثر الهرج " أي ويكثر قتل الناس بعضهم لبعض ظلماً وعدواناً لمجرد هوى النفس وإشباع رغباتها الخبيثة، أو استجابة لبعض الأفكار والآراء الهدامة التي تخدم أعداءهم وهم لا يشعرون.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن من علامات الساعة كثرة ظهور الفتن والأمور الكريهة، ومن ذلك أن يتمكن الشح من نفوس الأغنياء فيكفوا أيديهم عن البذل والعطاء والإِنفاق على غيرهم من المعوزين، فيزول التعاطف والتضامن، وترتفع المحبة، وتحل مكانها العداوة والبغضاء، وتشتد حتى يتدابر الناس، ويتطاعنون، ويتقاتلون، ويكثر القتل وسفك الدماء، كما قال:" ويلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج ". ثانياًً: أن الأمة الإِسلامية متى فقدت العلم الشرعي النافع انتشر فيها الشح، وظهرت الفتن، وكثر القتل. فالشح يظهر فيها بسبب جهلها بدينها، وعدم العمل به، ومتى ظهر فيها الشح كثر فيها القتل، لأنه نتيجة حتمية لحرص الناس على المال، وبخلهم به عن الفقراء وتنافسهم عليه كما في الحديث عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم " متفق عليه فإن هذا الحديث يشير كما أفاده القاري إلى أن الأمم السابقة إنما هلكت بسبب انتزاع الرحمة من قلوب الأغنياء، وقسوتهم على الفقراء، فبخلوا بأموالهم عليهم، فحقد عليهم الفقراء، وانتشرت بينهم العداوة والبغضاء، حتى أدى بهم ذلك إلى القتال وسفك الدماء فهلكوا. الحديث: أخرجه الشيخان وابن ماجة. والمطابقة: في قوله: " وتظهر الفتن ".