الصادق المصدوق أنها ستقع بين المسلمين فتن دموية عظيمة، تنشب فيها الحروب، من أجل خلافات سياسية منشؤها (١) التنازع على السلطة والتنافس على الوصول إلى مراكز النفوذ والسلطان. وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين من التورط في هذه الفتن، والمشاركة بالقتال فيها، وبَيَّنَ أنَّ الناس تجاهها أربعة أقسام، قاعد عنها لا يشترك في حروبها ولا يساهم بالقتال فيها، وإنما ينظر إليها من بعد وقائم بها مشارك في حروبها ومعاركها يقاتل فيها بنفسه وماله، وداعٍ إليها ومتسبب في وجودها وإثارتها وهم الحكام والرؤساء الذين هم السبب الرئيسي فيها، فالقسم الأول: وهو القاعد عنها هو وحده الذي يسلم من شرورها وآثامها، أما بقية الأقسام الثلاثة فإنّها قد تورطت في شر هذه الفتن، ووقعت في معصية الله. وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: " والقائم فيها خير من الماشي " أي المشارك بالقتال فيها فقط أخف إثماً من الداعي لها القائم بأسبابها، والداعي لها عاص شديد العصيان، ولكنه أخف معصية من زعيمها ورئيسها المتسبب في وجودها، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: " والماشي فيها خير من الساعي " أي والداعي لها أخف إثماً من المتسبب الرئيس في إثارتها وإيجادها: قال ابن التين: " يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض، فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سبباً لإثارتها، ثم من يكون قائماً بأسبابها، وهو الماشي، ثم من يكون مباشراً لها، وهو القائم، ثم من يكون من النظارة ولا يقاتل وهو القاعد. اهـ. ثم حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من التورط فيها فقال:" من تشرّف لها تستشرفه " بالجزم أي من
(١) أي ليس فيها طرف ظالم وطرف مظلوم، وإنما هي بين طائفتين ظالمتين كما سيأتي في كلام النووي رحمه الله، سنذكره في فقه الحديث.