للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعدل والقدرة على تنفيذ الأحكام. والأمانة ترجع إلى خشية الله وترك خشية الناس، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " القضاة ثلاثة، قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فرجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار ورجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ". واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، قال عمر: اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة. فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فيقدم في إمارة الحروب كما قال ابن تيمية الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور على الرجل الضعيف العاجز، وإن كان أميناً، فقد سئل الإِمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو وأحدهما قوي فاجر، والآخر صالح ضعيف مع أيهما يغزى؟ فقال: أمّا الفاجر القوي فقوته للمسلمين، وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه، وضعفه على المسلمين، فيُغزى مع القوي الفاجر. قال ابن تيمية: وإن كانت الحاجة في الولاية (١) إلى الأمانة أشد قدم الأمين، مثل حفظ الأموال، قال: ويقدم في ولاية القضاء الأعلم الأورع الأكفأ، فإن كان أحدهما أعلم، قدم فيما يظهر حكمه ويخاف فيه الهوى الأورع، وفيما يدق حكمه ويخاف فيه الاشتباه الأعلم. ثانياً: أنه يحرم طلب الولاية (٢) لمن لم يكن لها أهلاً لجهله أو لضعفه أو لغلبة الهوى عليه، فقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم تحرصون على الإِمارة، وستكون ندامة يوم القيامة " أي تكون ندامة على من لم يقم بمسؤولياته فيها ولم يؤدّ حق الله وحق العباد أثناء قيامه بها، لأنها أمانة وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلاّ لم يجد رائحة الجنة " أخرجه الشيخان. الحديث: أخرجه أيضاً النسائي. والمطابقة: في تحذيره - صلى الله عليه وسلم - من الحرص على الإِمارة، وهو ما ترجم له البخاري.


(١) " السياسة الشرعية " لابن تيمية.
(٢) ويكره طلبها أيضاً لمن توفرت فيه شروطها لما ورد أن من سألها وُكِلَ إليها، إلاّ إذا تعينت عليه، وتبين بحق أنه لا يصلح لها غيره، فإنه يطلبها، كما فعل يوسف حين قال: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).

<<  <  ج: ص:  >  >>