ذَهَبٍ مُمْتَلىءٍ حِكْمَةً وإيمَاناً، فأفْرَغَهُ في صَدْرِي، ثُمَّ أطْبَقَهُ، ثُمَّ أخَذَ بِيَدِي، فَعرَجَ بِي إلى السَّمَاءِ الدُّنيا، فَلَمَّا جِئْتُ إلى السَّمَاءِ الدُّنيا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مَعِى مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، فقَالَ: أرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَم، فلمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنيا، فإِذَا رَجُلٌ قَاعِد عَلَى يَمِنيهِ أسْوِدَة،
ــ
قلبي" (١) أي فأخرج الملك قلبه الشريف - صلى الله عليه وسلم - حقيقة لا مجازاً، ولا حاجة إلى العدول عن الحقيقة إلى المجاز في خبر الصادق المصدوق، ولا عجب في ذلك، فإن المعراج معجزة من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - والمعجزات كلها أمور خارقة للعادة، خارجة عن نظام العالم، والسنن الكونية، وما هي إلاّ تحديات لقدرة البشر بقدرة الله تعالى. " ثم غسله بماء زمزم " أي ثم غسل الملك قلبه - صلى الله عليه وسلم - بماء زمزم تطهيراً وتقوية له بهذا الماء المبارك، لما فيه من غذاء روحي ومادي معاً " ثم جاء بطست من ذهب " وكان هذا الطست من الأواني الذهبية الموجودة في الجنة فأتى به من هناك تكريماً للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإعلاءً لشأنه، وحفاوة به " ممتلىء حكمة " بالنصب، على أنه تمييز ملحوظ، أي جاءه بطست ذهبي من الجنة، ممتلىء بالعلم الرباني النافع، المؤدي إلى التوفيق والصواب في القول والعمل " فأفرغه في صدره، ثم ختمه " أي ثم ختم صدره الشريف بعد غسله وتطهيره وإفراغ ذلك الطست فيه، وضمه على العلم الرباني والنور الإِلهي الذي أودعه فيه، لئلا يجد الشيطان إليه سبيلاً. قال - صلى الله عليه وسلم - " فعرج بي إلى السماء الدنيا " أي فأسرى بي أولاً على البراق من مكة إلى بيت المقدس، ثم صعد بي الملكُ من بيت المقدس على المعراج إلى السماء الدنيا، والبراق
(١) والسين هنا إمّا أن تكون للطلب، والمعنى أن الملك حاول إخراج القلب من الصدر، وعمل ذلك حتى أخرجة، أو لتأكيد الفعل والله أعلم.