المسجد كشف ستر حجرته، ليستطلع خبرهما ويتعرف على قضيتهما، ثم خرج إليهما، ومر بهما كما في رواية الأعرج " فنادى، كعب قال: لبيك، رسول الله قال ضع من دينك " أي تنازل عن بعض دينك تخفيفاً عليه، ورفقاً بحاله " وأومأ إليه أي الشطر " أي وأشار إليه إشارة تفسيرها ومعناها تنازل عن نصف الدين، وخذ منه النصف. ولم يقصد بذلك - صلى الله عليه وسلم - أن يأمره أمر إلزام، وإنما هي مجرد وساطة وشفاعة وإصلاح بين المتخاصمين، له أن يقبلها، أو يعتذر عنها " قال: قد قبلت " أي قبلت وساطتك " قال: قم فاقضه " أي قم يا ابن أبي حدرد فسدد نصف الدين فوراً، والأمر هنا أمر وجوب وإلزام. الحديث: أخرجه الشيخان.
ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: جواز مقاضاة الديون وسائر الحقوق المالية في المسجد، وقضاؤها فيه، قال مالك: لا بأس أن يقضي الرجل في المسجد ديناً أما التجارة والصرف فلا أحبّه. ثانياً: أن أمر القاضي بالتنازل عن بعض الحق إنما هو مجرد شفاعة وصلح، ولا يجب تنفيذه، وإنما له أن يقبله أو يعتذر عنه إن شاء. ثالثاً: أنه إذا قبل الدائن التنازل عن بعض حقه استجابة منه لوساطة الحاكم وجب على المدين أن يقوم بقضاء الدين فوراً، وللقاضي أن يلزمه بذلك، وذلك لئلا يجتمع على رب الدين وضيعة ومطل معاً، كما أفاده العيني. رابعاً: جواز رفع الصوت في المسجد ما لمٍ يتفاحش، وقد أفرده البخاري بباب مستقل، ونقل عن مالك منعه مطلقاً، كما نقل عنه جوازه في العلم والخير وما لا بد فيه، دون رفعه باللغط ونحوه، وأما حديث واثلة:" جنبوا مساجدكم صبيانكم وخصوماتكم " أخرجه ابن ماجة فإنه ضعيف (١). الحديث: أخرجه الشيخان.