للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: " لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكمْ، أو ليخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وَجوهِكمْ ".

ــ

الواو واو قسم محذوف تقديره: والله لتسوُّن صفوفكم، أي تجعلونها معتدلة متساوية في الصلاة مع ملء الفجوات في الصفوف، الأوّل فالأوّل، قال الزرقاني: والتسوية هي اعتدال القامة على سمت واحد، أي على خط مستقيم واحد، وسد الخلل، وفي الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الناس بوجهه فقال: " أقيموا صفوفكم ثلاثاً، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله في قلوبكم " أخرجه أبو داود، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الباب: " أو ليخالفن الله بين وجوهكم " (١) أي فإن لم تسووا صفوفكم في الصلاة أنزل الله الكراهية والبغضاء في قلوبكم، فتتنكر وجوهكم بعضها لبعض. قال القاري: وهو كناية عن المهاجرة والمعاداة.

وقيل: هو على حقيقته، والمراد به تشويه الوجه. والمطابقة: في قوله: " لتسوُّن صفوفكم ".

ويستفاد منه ما يأتي: أولاً: مشروعية تسوية الصفوف، وعناية الإمام بذلك، والتسوية سنة عند مالك والشافعي، واجبة عند أبي حنيفة، فرض عند ابن حزم، واستدل على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم - في روايةٍ: " فإنّ تسوية الصف من إقامة الصلاة " وإقامتها فريضة، وكل شيء من الفرض فهو فرض، إلّا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة، حيث رواها بعضهم بلفظ " فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة " ويؤخذ منها الاستحباب كما قال ابن دقيق العيد، لأن تمام الشيء عرفاً أمر خارج عن حقيقته. ثانياً: التحذير من الصلاة في الصف الأعوج، والوعيد الشديد على ذلك بالمسخ وتشويه الوجه، وهذا


(١) لأن معناه: إما أن تسووا صفوفكم، أو يغير الله قلوب بعضكم على بعض بالعداوة والبغضاء، فتتنكر وجوهكم لبعضها، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>