من قضايا الإِيمان، وأقر بلسانه وأتى بجميع شعائر الإسلام، ولم يصدقه بقلبه، لا ينفعه ذلك، لأن التصديق القلبي هو الركن الأول من أركان الإيمان، ولا يكفي في الإِيمان مجرد الإِقرار باللسان، لأن المنافقين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقرّون بألسنتهم، لكنهم لما لم يصدقوا بقلوبهم، نفى الله عنهم اسم الايمان في قوله عز وجل:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ). الثاني الإقرار باللسان: أي النطق بالشهادتين مع الاعتراف بأن كل ما أخبر به نبينا - صلى الله عليه وسلم - أو جاء به حق وصدق عن الله تعالى، فمن لم يقر بذلك ويعترف به بلسانه لغير عذر شرعي من خرس أو إكراه فهو جاحد كافر عند الله والناس ولو صدَّق بقلبه، فإن التصديق وحده دون إقرار ممن هو قادر عليه لا يكفي خلافاً لما زعمه الجهم بن صفوان، من أنّ من عرف الله بقلبه وجحد بلسانه ومات قبل أن يقر فهو مؤمن كامل الإِيمان كما أفاده الرازي، وهذا قولٌ باطلٌ، لأن فرعون كان مصدقاً بقلبه، فلم ينفعه ذلك حين أنكر التوحيد بلسانه، فسجَّل الله عليه وعلى قومه الكفر والجحود في محكم قرآنه، ووصفهم بقوله:(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ). الثالث العمل بالجوارح: وهو أن يؤدي المؤمن كل أركان الإسلام، ويلتزم بفعل الواجبات، وترك المحرمات، فالعمل جزء من الإيمان، وقد أنكر السلف على من أخرج الأعمال من الإيمان إنكاراً شديداً، وقال البخاري: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار (١)، فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص. وقال الأوزاعي: كان من مضى من السلف لا يفرقون بين العمل والإيمان، والدليل من القرآن على أن العمل جزء من الإِيمان قوله تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ
(١) " التنبيهات السنية شرح العقيدة الواسطية " للشيخ عبد العزيز بن ناصر الراشد.