النفس عند فراق الأحبة، فتبعث على حزن القلب، وبكاء العين، وهي غريزة لا يلام عليها، وليست من الجزع في شيء " ثم أتبعها بأخرى " أي أتبع الدمعة الأولى بالدمعة الثانية، " فقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن " بمقتضى الغريزة التي فطر الله عليها خلقه، " ولا نقول إلاّ ما يرضي ربنا " من الحمد والاسترجاع، وسؤال الخلف الصالح " وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون "، أي وليس الحزن من فعلنا، ولكنه أمر أودعه الله فينا وأوقعه في قلوبنا، فلا نلام عليه إلاّ إذا قلنا أو فعلنا ما لا يرضي ربنا. اهـ. كما أفاده القسطلاني. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود. والمطابقة: في كون الترجمة جزءاً من الحديث.
فقه الحديث: دل الحديث على ما يأتي: أولاً: جواز البكاء عند المصيبة لأنه ظاهرة طبيعية تنشأ عن غريزة الحزن التي فطر الله عليها الخلق، وعن رقة القلب التي خلقه الله عليها، كما قال - صلى الله عليه وسلم - " إنها رحمة ". وقد خلق الله في الإِنسان الضحك والبكاء، كما خلق فيه الموت والحياة، (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا) وهما سر من أسرار التكوين البشري، لا يدري أحد كيف هما، ولا كيف يقعان في هذا الجهاز الجسمي المعقد، وتعقيده النفسي لا يقل عن تعقيده العضوي الذي تتداخل المؤثرات النفسية والعضوية فيه وتتفاعلان كما أفاده في " في ظلال القرآن "(١). ثانياًً: أن الواجب على المؤمن أن لا يقول عند المصيبة، ولا يفعل إلاّ ما يرضي الله عز وجل، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: لا نقول إِلا ما يرضى ربنا ".