في الحديث الصحيح عن أم العلاء امرأة من الأنصار، أنه لما توفي عثمان بن مظعون، وغُسِّلَ وكفن في أثوابه، دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله -أي لقد أكرمك الله بالجنة- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " وما يدريك أن الله أكرمه، أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ". قالت: فوالله لا أزكي أحداً بعده أبداً " أخرجه البخاري والنسائي " فقلنا: وثلاثة؟ فقال: وثلاثة، فقلنا: واثنان، قال: واثنان "، معناه وكذلك إذا شهد له ثلاثة، أو اثنان، فإنه ترجى له الجنة. " ثم لم نسأله عن الواحد " أي فلا ندري هل يكفي أم لا. الحديث: أخرجه الترمذي والنسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: جواز الثناء على الميت المسلم بما يعلم عنه من الصلاح والخير، وحسن السلوك في حياته، وأن من أثنى عليه اثنان فصاعداً بالاستقامة على الأعمال الصالحة في دنياه، فإنه يرجى له الخير في الدار الآخرة، إن شاء الله، كما يرجى له الفوز بالجنة والنجاة من النار، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وجبت له الجنة ". وليس المراد من الشهادة له أن نشهد له بالجنة، فإن هذا لا يجوز إلاّ لمن شهد له - صلى الله عليه وسلم - بالجنة كما تقدم لنا في شرح الحديث. ثانياًً: أن المعتبر في الثناء على الميت ثناء أهل الفضمل والصدق، لما جاء في الشهادات: المؤمنون شهداء الله في الأرض.
قال القسطلاني: فالمراد المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم في الإيمان، فالمعتبر شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة، لأنهم قد يثنون على من كان مثلهم. والمطابقة: في قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة "، فإن المراد به أن الثناء على الميت يبشر بالخير وهو ما ترجم له البخاري.