الدُّنْيَا، فَكَانَ أبُو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَدْعُو حَكِيماً إلى الْعَطَاءِ، فَيَأبَى أنْ يَقبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فأبَى أنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئَاً، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ على حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْه حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأبَى أنْ يَأخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأ حَكِيم أحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولَ اللهَ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى تُوُفِّيَ ".
ــ
التي حطت من قدر نفسها وكرامتها بما عرضت له نفسها من المذلة. " فقلت لا أرزأ أحداً بعدك " أي لا أسأل أحداً شيئاً بعدك " فكان أبو بكر يدعوه إلى العطاء فيأبى أن يقبل منه " فلا يأخذ منه شيئاً، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئاً، فقال عمر: " إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم: أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه " قال العيني: وإنما أشهد عمر على حكيم لأنه خشي سوء التأويل فأراد تبرئة ساحته بالإِشهاد عليه. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: الترغيب في الاستعفاف عن السؤال والقناعة والرضا بالقليل، وأن اليد العفيفة المتعففة خير عند الله من اليد السائلة، لأنّها يد عليا صانت نفسها عن ذل السؤال. وهو ما ترجم له البخاري. ثانياًًً: أن من أخذ المال من طرقه المشروعة عن سماحة نفس وقنع بما أعطاه الله منه بارك الله له فيه، وجعل له القليل كثيراً، والعكس بالعكس. ثالثاً: أن سؤال السلطان لا عار فيه كما قال المهلب. والمطابقة: في قوله: " اليد العليا خير من اليد السفلى " لأن المراد باليد العليا اليد المتعففة.