فمنْ وفَّى مِنْكُمْ فأجْرُهُ على اللهِ، ومَنْ أصابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ بِهِ في الدُّنيا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ، ومَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً ثُمَّ سَتَرَهُ اللهُ، فَهُوَ إلَى اللهِ، إن شَاءَ عَفَا عَنْهُ وإن شَاءَ عَاقَبَهُ"، فَبَايَعْنَاهُ علَى ذَلِكَ.
ــ
تختلقوا الإشاعات الكاذبة، والتهم الباطلة، التي لا أساس لها من الصحة، مثل القذف بالزنا كذباً وزوراً، أو ترويج بعض الإشاعات التي تمس الناس في أعراضهم، من الخيانة، والرشوة، والظلم، فإنّ الأولى أن يحمل هذا النهي على عموم الكذب على الناس، وعلى كل تهمة تنقص من قدرهم، وتخدش من كرامتهم. " ولا تعصوا في معروف " أي ولا تخالفوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أي عمل يأمركم به أو ينهاكم عنه. أو لا تعصوا ولاة الأمور في أوامرهم ونواهيهم، ما دامت لا تتعارض مع الشريعة الغراء، فإنْ أمروا بمنكر، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. " فمن وفّى منكم فأجره على الله " أي فمن وفّى منكم بهذه المعاهدة، وحافظ عليها، ولم يرتكب معصية، من هذه المعاصي التي نهيتكم عنها، فثوابه محقق وسيجده يوم القيامة عند ربه لا محالة، لأنه لا يخلف الميعاد. " ومن أصاب من ذلك شيئاً " أي ومن ارتكب معصية من المعاصي التي تستوجب الحد الشرعي كالزنا والسرقة " فعوقب وبه في الدنيا " أي فنال جزاءه في هذه الحياة، وأقيم عليه الحد في الدنيا " فهو كفارة له " أي فإنّ ذلك الحد يمحو عنه " تلك المعصية " ويسقط عنه عقوبتها في الآخرة، لأن الله أكرم وأرحم من أن يجمع على عبده عقوبتين. " وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذلِك شيئاً، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه " أي من ستره الله في الدنيا، ولم يعاقَبْ على تلك الجريمة، فهو تحت مشيئة الله، وأمره مفوّض إليه، إن شاء غفر له، فأدخله الجنة مع الأولين، وإن شاء عاقبه بالنار على قدر جنايته ثم أدخله الجنة.