" لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطها " والنفي بمعنى النهي، أي لا يجوز قطع شجرها، ولا صيد الصيد في حدودها " من أحدث فيها حدثاً " أي ابتدع فيها بدعة أو ارتكب كبيرة، وفي رواية " أو آوى محدثاً " بفتح الدال وكسرها، أي أعان على بدعة أو معصية " فعليه لعنة الله " أي غضبه وطرده من رحمته وجنته " والناس أجمعين " أي وعليه دعاء الناس باللعنة وفي رواية " لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً " أي لا يقبل الله منه فرضاً ولا نفلاً. الحديث: أخرجه الشيخان.
فقه الحديث: دل هذا الحديث: أولاً: على تحريم شجر المدينة وصيدها لقوله - صلى الله عليه وسلم - " المدينة حرم " وتحريم المدينة يشمل تحريم شجرها وصيدها معاً، وإذا كان لم يذكر الصيد في حديث الباب نصاً، فقد ورد في حديث علي رضي الله عنه حيث قال: " ولا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها " فإذا حَرُم تنفيره حرم قتله من باب أولى، وتحريم المدينة صيداً ونباتاً هو ما عليه أكثر أهل العلم وجماهير الفقهاء، وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يحرم صيد المدينة ولا نباتها الطبيعي، وأن الحرمة في حديث الباب حرمة تعظيم وتقديس وتشريف. وقال صاحب " فيض الباري ": نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن قطع أشجارها كان لغرض الابقاء على زينتها وبهجتها وجمالها الطبيعي لا لأنها محرمة تحريم مكة، قالوا: والدليل على ذلك أنه لا يترتب على قطع أشجارها جزاءٌ شرعي كأشجار مكة وأنه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقطع الأشجار عند بناء مسجده. وفي استدلالهم بذلك نظر، فأما استدلالهم على عدم تحريمه بكونه لا يترتب عليه جزاء شرعي، فهو غير مسلم، لأن المسألة خلافية، وقد قال أحمد وفي رواية للشافعي في قول إن فيه الجزاء، وأما قطعه - صلى الله عليه وسلم - للأشجار عند بناء مسجده - صلى الله عليه وسلم - فلا دليل فيه، لأن الأشجار التي قطعها لم تكن من الأشجار الطبيعية التي يحرم