أنه سيهجرني فإما أن أموت وإما أن أرجع إليه من هذا النشوز فأكون تحت سيطرة امرأة جديدة فإن مت تكونين الجانية علي وإن رجعت إليه تكونين سبب بؤسي وشقائي بعد ما كنت سعيدة.
لقد فهمت أنك تودين الرجوع إليه قاتل الله بنات هذا العصر اللواتي لا يطقن الهجر ساعة.
فليخطر ببالك ما تشائين فإني أعزه وأحب الرجوع إليه فبل أن يتزوج.
ثم قامت وتركت أمها ودخلت حجرتها وأغلقت الباب عليها وأخذت تبكي وتندب حظها وتلوم نفسها على إطاعة أمها.
مضت على هذه المحاورة هنيهة وجيزة فدخلت على شهيرة إحدى صويحباتها التي كانت تتنسم الأخبار عن زوجها وتأتها بها فقالت لها أتدرين ماذا جرى؟ فقالت: لا
إن سعيد عقد على جميلة خانم ابنة علي باشا فصاحت قائلة: آه. وأغمي عليها. فندمت هذه على أخبارها ثم أتت بالماء والعطريات ورشت على وجهها وجعلت تفرك يديها وتدلكها حتى تنبهت فأخذت تبكي وتلعن أمها التي سببت لها هذه النقمة وتفكر فيما حل بها فأيقنت أنها ستفارقه أبد الدهر وأنه سيحتفظ بعد الآن بود جميلة خانم ولا يسأل عنها وقد دخلت أمها فأخبرتها بواقعة الحال وقالت لها: كنت تظنين أن لا يتزوج فها هو قد اقترن بأحسن ابنة في بلدنا فإنقطع أملي بلقائه وأظن بأنه لا يطلقني ولا يأخذني إليه إلا إذا رقت لحالي زوجته فأكون تحت أمرها وأرادتها فهذه نتيجة أعمالك القبيحة.
فأدركت أمها خطأها وأخذت تلطفها بالكلام وتعدها بالأمال ثم دعت ابنها رفيقاً وعزموا على أقامة دعوى الطلاق مرة ثانية وأتوا بشهود غير الأوليين وعينوا يوم الجلسة يوم عرسه لينغصوه وظنوا أنهم يوفقون إلى أخذ الحكم عليه فيكون يوم عرسه يوم نحسه ولم يدر في خلدهم أن يوم عرس المرء في غالب الأحوال يوماً مباركاً ولا يخطر ببال العروسين سوى السعادة ففرح بما أتوه ولم يتنغص وأيقن أنه سينتصر عليهم لأنهم حصروا الدعوى في يوم كان عنده أشرف الأيام وأحسن يوم وصاله ونيل آماله فذهب رحيب الصدر عالي الهمة ودخل المحكمة فأقيمت الدعوى وضبطت الإفادات فشهد الشهود بما تعلموا لا بما علموا فجرح شهادتهم وأقام البراهين فإنتصر عليهم وأخذ الحكم مرة ثانية بوجود الزواج وعاد رابحاً ورجعوا خائبين وكان ما كان. فاستولى الكدر على شهيرة