وأثاث المنزل. وحسب صاحبنا الراتب الذي ستناله حماته زوجة الباشا فبلغ ألفي قرش فأطمأن بعض الاطمئنان وأدرك أنه لا يزال في عيشة راضية وكانت حملت منه جميلة فصار يفكر في ولده وصار البحث بينه وبينها على ابنهما الذي سيصرفإن في تربيته مزيد العناية ليأتي منه أنموذج الكمال ومثال الأدب ويعلمانه حقائق العلوم في طفولته ليشب على حب العلم ويتعرى من كل خرافة وقررا تلقينه تراجم أحوال أعاظم الرجال وأفعالهم وحقائق الكائنات وأنشآ يربآن به عن سماع القصص والحكايات المشوبة بالأكاذيب والعجائب ولما قرب وقت الوضع أخذ سعيد يستجلب الكتب المدونة في تربية الأطفال فيقرؤها هو وأمرأته ويعينأن الخطة التي يجريان عليها في تربية ثمرة غرامهما حتى وضعت له أنثى حسنة الخلق أشبه بأمها فسمياها (خبرية) لعلها تكون مبشرة بالخير وفرحا كثيراً ولكنه لم تمض هنيهة من الزمن حتى فاجأتهما وفاة الخانم الكبيرة وانقطع الراتب فأصبحت الأسرة حملاً على سعيد ولم يبق لها من إيراد سوى راتبه وهو ألف قرش فصرف ما جمعه واقتصده وباع الحصانين لعجزه عن القيام بنفقتهما ورجع إلى عالم الاقتصاد والإدارة ومع هذا كله كان يعلل نفسه بطهارة بيته من الأدناس ويرى نفسه في راحة من كل عناء.
في يوم سكنت نأمة القيظ وهب ريح الصبا اعترى صدر سعيد ضيق ساقه إلى التنزه فبحث عن صديق له ليذهب معه إلى قرية من القرى للنزهة وإذ لم يوفق إلى صاحب يرأفقه ذهب برأسه وأخبر جميلة بذهابه وكان خرج على حصان استأجره فبينما هو يجد في المسير فاجأه رجل كان يعرفه من أقارب رفيق فسلم عليه كانه أخ حميم ثم سأله عن سفره فأجابه بما قصد فطلب رفقته فقبله وشكر له فضله وقال إنه كان يود أن يجد له رفيقاً يتسلى معه فنعمت الصدفة ثم أخذا يقطعا الطريق رويداًَ رويداً وكان الحديث بينهما عن شهيرة فصار ذلك إلى الرفيق يؤأخذ سعيداً وينسب إليه القصور وهذا يعتذر ويرجع بالذنب إلى أمها وإلى رفيق فما كان من هذا الخبيث إلا أن أخرج غدارته وأطلق الرصاص عليه قائلاً خذها جزاء بعملتك بشهيرة فأصاب قلبه فوقع في الأرض يقول: آه قتلتني يا خائن. وكانت هذه العبارة آخر كلامه ثم ذهب ذلك اللعين إلى مدير الناحية وأخبره بأنه حدث قتل في هذا المحل الفلاني ففرح المدير لذلك بمجيء الرزق ولكنه لم يكن عنده من أنفار الدرك