للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الصدقة والإحسأن فيظن ذلك أنه أعجبها بطوره وجماله.

ويزداد ضحكه عندما يرى ذلك الشاب الذي إذا رأى سيدة أحنت رأسها لحفرة في الأرض رفعت العربة فكان الانحناء اضطرارياً يظن أن ذلك كان للسلام عليه فيحني رأسه فتضحك من جهله ويحسب ذلك تبسماً والتفافاً ويذكر حينئذ قول شوقي

نظرة فابتسامة فسلام ... فكلام فموعد فلقاء

ويقول لرفيقه لم يبق بيني وبينها إلا الكلام والكلام يجر ما بعده. ويعجب لذلك الفتى الذي لو رأى الآنسة تصلح شعرها بيدها أو ترفع غرتها عن جبينها لظن ذلك سلاماً له ووضع على رأسه كانه يريد السلام بدون أن يشعر به أحد لحوقاً على مكانتها وهي لا تبالي به ولا تنظر إليه ويبكي أسفاً على المومسات اللواتي خرجن يقلدن كبيرات العقائل يلبسهن ليجلبن قلوب الشبان ويعشن بتمزيق ثوب عفتهن ونقدهن بدلها دراهم معدودة على أنهن يظهرن المحبة لمن لا يطقن أن يراه ولذلك لا يجدر بالعأقل أن ينظر إليهن بعين الكبر والغرور ويهينهن من أجل بيع شرفهن وعفتهن لمن يرنه أو لا يردنه فلو فحص عن الأسباب التي ساقتهن إلى أدنى المتاجر لما تأخر عن العذر ووجه سهام الملام نحو غيرهن.

ومما كان يأسف له سعيد ما يراه من الشبأن الذين لو رأيتهم ونظرت إلى لباسهم لحسبتهم من أبناء أغنى الأسر في بيروت على أنهم لا يملكون سوى راتبهم الذي لا يتجاوز ثلاث ليرات يأخذونها من الاستخدام في مخزن أو متجر ولا يجدون حرجاً في التشبه بالأغنياء وترأهم أبداً باكين من قلة الدراهم وقد يتخيلون وقد يتخيلون السعادة ولكنهم لا يجدون لها أثراً إلا في أمريكا فيهاجرون إليها وقد يموت الكثير منهم من الجوع أو يرجعون ملومين مدحورين.

بينما كان سعيد يفكر في الهيئة الاجتماعية ويتأمل هذا المعرض البديع أتاه الخادم مسرعاً فقال له أن الباشا أتى من سفره وهو مريض مرضاً شديداً فذعر لهذا الخبر ورجع إلى المنزل مسرعاً وكان الأطباء أتوا ومرضوه فلازم فراشه وأخذ سعيد يستقبل العواد ولكن المرض أخذ في ازدياد حتى قضى الباشا نحبه وانتقل إلى رحمة الله فجهزه وواره التراب واحتفل بمأتمه احتفال الابن البار بوالده الفقيد. وهنا انكشفت شمس آمال سعيد وخاف من رجوعه إلى البؤس والشقاء لأن الباشا كان مستقيم المبدأ فلم يترك لوارثيه سوى الدين