في ظهيرة ذلك النهار وطفق يقذف الرماد والحمم من جوف الأرض ويدفعها إلى المدينة فطبق الدخان من كل ناحية. دخان كثيف أسود كالقار أحال صفاء المكان ظلمة مدلهمة فعقبه أنين وعويل وشتائم المنكوبين بعضهم بعضا في ساعة أضاع فيها الأخ أخته والعروس عروسه والزوج زوجته والأم ولدها في آن تعذر على الأنام أن ينظروا من الموجودات سوى لمعان كان يلمع من قمة البركان.
فمادت الأرض بسكانها من أركانها وبدأت المنازل تهدم وأصحابها يستجيرون ولا مجير فيرحم والبحر يتراجع عن اليابسة كانه ارتعد فرقاً من ثوران بركان يزوف وهيجانه وكشف الهواء بما أنقذف إليه من الغبار ثم تراكمت كل هذه المقذوفات وحملت إلى المدينة فطمرتها ومحتها من هذا الوجود.
أدرك أهلها الموت وهم منغمسون في لذائذ الحياة فهلك الضيوف في ردهات القصور وربات الحجال في الخدود والجند في ثكنتهم والسجناء في محابسهم ومطابقهم والأرقاء بقرب الينأبيع حيث كانوا يتنزهون وأصحاب التجارة وهم يبيعون السلع في مخازنهم وطلبة العلم وهم بين المحابر والدفاتر وحاول بعضهم الهرب فقادهم العميأن الذين تعودوا السير في حالك الظلمات فبغتهم البوار وانقلب الناس من المدن المجاورة إلى بمبي بعد تلك النازلة ببضعة أيام فلم يلفوا هنالك سوى بقعة مغطاة بالرماد وفي الأعماق طمر ألوف من البشر ورقدوا رقاداً لم يعقبه قيام. طمروا فطمرت معهم لذائذ هم وعفت من بعدهم الأثار مدينتهم وتقوضت معالمها. وقد تسنى لها في القرن الثامن عشر أشخاص تمحضوا لدراسة الأثار فطفقوا ينقبون في تلك البقعة وبعد أن تكبدوا المشاق وجدوا المدينة في الحالة التي طمرت بها فبعض المنازل لم يزل ثابتاً وبعض النقوش لا تزال ظاهرة وهياكل الموتى موجودة في الأماكن التي أدرك الموت أصحابها فيها منذ عهد سحيق فالسجين لم يزل مغلولاً بالأغلال والعروس لابسة سلاسل الذهب والأساور والشحيح قابضاً على درهمه والكهنة مختبئين في أجواف تماثيل أربابهم المجوفة ليخدعوا أتباعهم إلى ما آخر ما هنالك من المناظر المدهشة والمشاهد المذهلة. هذه أثار دولة الرومأن التي خفق نسرها في كل جو وعقدت رايتها في كل أرض فكانك في دراستك أثار بمبي تستطلع أخبار الرومان أيام كانوا في أعلى ذرى رقيهم وسيطرتهم وتتجلى لك مظاهر حضارتهم منذ ظهورهم مضافة