كان للقوم عناية بالمال وطرق استثماره وأخبار أصحابه عنايتهم بالشؤون التي قلما يخطر بالبال إن كتاب العرب دونوا فيها وصنفوا. وما تعب يعانيه من يود الخوض في ذكر أحوال العرب على جليتها إلا ناتج من قلة الظفر بكل ما كتبوه وقد صام القوم عن العلوم الاجتماعية قرابة خمسمائة سنة لم يكن لهم فيها بعد ابن خلدون فيما احسب كتابة ولا رسالة يصح الرجوع إليها في المعضلات.
رغب كثير من أهل الإسلام في الدنيا على أصولها ونشدوها من أبوابها وادخروا الأصفر والأبيض بعرق الجبين والكدح المشروع والطرق المعقولة والارتياض والاستنفاض والصناعات والتجارات والزراعات. وإن قل من جمعوا المال من حله وأنفقوه كذلك قلتهم في كل امة بحيث يتأتى للباحث في تراجم كبار الأغنياء في العالم أن يرجع طبقاتهم إلى ثلاث أما سارق بطرق تجارية أو صناعية كما في الغرب اليوم أو سارق برشوة ومظلمة كما في الشرق قديماً وحديثاً أو وارث ترك له أهله مالاً جنوه بتلك الأسباب وقليل منهم بالعمل واتخاذ أسباب الرزق. ولا يعقل أن يكسب المرء من حلال صرف ويسير على قانون مشروع أو معقول ويتسنى له أن يكون من رجال الخزائن والصناديق.
كان أمام أهل مصر الليث بن سعد الفهمي المتوفي سنة ١٧٥ (من بحور العلم له حشمة وافرة وكان نظير ملك قيل كان دخل الليث في السنة ثمانين ألف دينار وما وجبت عليه زكاة مال قط وكان نواب مصر من تحت اوأمره) وسنة ٣٠٢ صادر المقتدر بالله العباسي حسين ابن الجصاص الجوهري وسجنه قال ابن الجوزي: وأخذوا منه ما قيمته ستة عشر الف ألف دينار قال بعضهم: رأيت ابن الجصاص يقبن بين يديه بالقبان سبائك الذهب قال الكتبي في ذيل الوفيات: كان ابن الجصاص من اعيأن التجار ذوي الثروة الواسعة ولما بويع لعبد الله ابن المعتز وانحل أمره وتفرق جمعه وطلبه المقتدر اختفى عند ابن الجصاص هذا فوشى به خادم صغير لابن الجصاص فصادره المقتدر على ستة آلاف ألف دينار قال ابن الجوزي: أخذوا منه ما مقداره ستة عشر الف ألف دينار عيناً وورقاً وقماشاً وخيلاً وبقي له بعد المصادرة شيء كثير إلى الغاية من دور وقماش وأموال وبضائع وضياع.
قال ابن الجصاص في سبب ثروته: إنه كان في دهليز أبي الجيش خمارويه بن احمد ابن