لذمته أن تحفز ولجواره أن يردى وقال لهم: هلا أنتقم وهو عندكم وانتم عالمون بما كان عليه واما أنا فلا يخلص إليه بذلك احد ما كان في جواري ثم وفر الجراية والاقطاع له ولبنيه ولمن جاء من فرسأن الأندلس في جملته فلما هلك السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين سار هو في ركاب الوزير أبي بكر بن عازي القائم بالدولة فنزل فاس واستكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن واغتراس الجنات وحفظ له القائم بالدولة الرسوم التي رسمها له السلطان المتوفي. ولما استوفى السلطان أبو العباس على البلد الجديد دار ملكه قبض على ابن الخطيب واودعوه السجن وطيروا بالخبر إلى السلطان أبي العباس واحضر ابن الخطيب بالمشورة في مجلس الخاصة وأهل الشورى وعرض عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه فعظم عليه النكير فيها فونح ونك ل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملأ ثم تل إلى محبسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه وافتى بعض الفقهاء فيه ودس سليمان بن داوود رديف وزير السلطان لبعض الاوغاد من حاشيته بقتله فطرقوا السجن ليلاً ومعهم زعانفة جاؤوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر وقتلوه خنقاً في محبسه واخرجوا شلوه من الغد فدفن ثم أصبح من الغد على شأفة قبره طريحاً وقد جمعت له اعواد واضرمت عليه ناراً فاحترق شعره واسود بشره واعيد إلى حفرته وكان في ذلك انتهاء محنته.
قال ابن خلدون: وعجب الناس من هذه السفاهة التي جاءت بهاسليمان واعتدوها من هناته وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته ولله الفعال لمايريد. وكان عفا الله عنه أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت فتيجيش هواتفه بالشعر يبكي نفسه ومما قال في ذلك
بعدناوان جاورتنا البيوت ... وجئنا بوعظ ونحن صموت
وانفاسنا سكنت دفعة ... كجهر الصلاة تلاه القنوت
وكنا عظاماً فصرنا عظاماً ... كنا نقت فها نحن قوت
وكنا شموس سماء العلا ... غر بن فناحت عليها البيوت
فكم جدلت ذا الجسام الظبا ... وذو البخت كم جدلته النجوت
وكم سيق للقبر في خرقه ... فتى ملئت من كساه التخوت
فقل للعدا ذهب ابن الخطي ... ب وفات ملئت من كساه التخوت