أحسن في شرع العمل من توفر المرءِ على عمله وأن ما يجلب التعب في العمل الطبيعي أوالعقلي هو كيفية تعاطي العمل أي أن اجهاد الذهن وحصره في موضوع يعطي المرءَ قوة فعلى الأرادة ريثما يستحضر الذهن ويشرب حب الميل إلى العمل الذي ينوي استخراج شيءٍ منه أن تتوسط في الأمر للحال لتستدعي انتباه الفكر واجتماعه وهذا مما يجلب التعب ولكن متى تهيأ سبيل الموضوع الذي يقضى الشروع به ومتى أعددت للموضوع عدته وأسبابه يجري العمل فيه بذاته ويعمل الدماغ فلا يعود يتأثر بالفكر وحصر الذهن فعلى المرء والحالة هذه أن يعمل بمضاءٍ وتسلسل ويجدر به أن يحاذر استنزاف قواه. خيرٌ لمن لم يرزق أرادة ثابتة وقوَّة أدبية عجيبة ومن لم يؤت فضائل سامية خارقة أن يعتاد عادات نافعة فإن العادة الحسنة والضارة سواءٌ في تأثيرهما في النفس. وبعد فلنتعلم تنظيم حياتنا بتدقيق وأن نجلس إلى منضدة العمل كل يوم في وقت معين ليتراكم الدم من ذاته في دماغنا ويستعد لعمله وتعد المعدة جهازها الهضمي للطعام وتجوع من نفسها في الوقت المعين لغذائها. حقاً ما قيل أن العادة طبيعة ثانية بل هي قوة جميع الضعفاء وهي سر الأقوياء إذ أن أرباب العقول الكبيرة يكرهون أنفسهم عليها عند ما تحدثهم نفوسهم بإبراز تأليف مطول ممتع.
قال موسو الإيطالي عند كلامه على التعب أن أطالة الفكر في موضوع واحد تضاعف في قيمة الوقت مضاعفة خاصة. وهو كلام لطيف لأنك ترى الإنسأن في تعاطي العمل ثلاث ساعات شديدة التي تأتي بها المداومة على الفكر النافع يعمل عملاً أكثر وأحسن من عمل عشرين ساعة متقطعة وتفكر لا طائل تحته وفي أحلام مختلفة غير مقررة التي يقضي فيها المرءُ وقته في انتظار الوحي والإلهام.
ولقد كانت طريقة مشاهير كتاب العالم على هذا النحو ومعظمهم لم يصرف أكثر من ساعتين أوثلاثاً في عمله اليومي أما سائر ساعات الفراغ فكانوا يقضونها بالطبع في التدبير وهو من توابع الأعمال العقلية.
وهنا مجال لأن أبين أنه ينبغي تدبير الصحة ومن اللازم على ابن الكتابة أن يتربص كل يوم بعص الرياضة العضلية مخافة أن يتسخ التركيب النامي كله وفي جملة ذلك الدماغ الذي يتحتم إحراق فضلاته وإسقاطها فإن المشي وركوب الدراجة والإرتياض والفروسية