للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فمن ورثوا عن والديهم مرض النقرس والأعصاب هم عرضة للتألم من الحياة خاصة فتسوّد أيامهم في عيونهم وتبهظهم فيستطيلون حياتهم فتنحل قوأهم الدماغية.

وبهذا عرفت أن طريقة العمل هي التي تولد الأعياءَ لا العمل نفسه. يتظاهر الإنكليز السكسونيون أن تبدو عليهم إمارات العجلة والقلق ولا يتجلى الإضطراب على محيأهم وأن يسلكوا مسلك التؤدة والعقل. ومن المحقق أن برودة الطبع في الظاهر تكره صاحبها على استعمال السكون في الباطن وتقمع الجهاز العصبي. فقلة الصبروالخمول والحمية تجيءُ بالتعود والمران أكثر مما تنشأ بعامل الطباع والأمزجة ومن يتأمل يتضح له أن السيئات التي تحملها لنا حوادث الحياة يكون شرها الأصلي لا بذاتها بل بالكيفية التي نحلها منا ومعظمها لا يفعل فينا إلا بقدر تجسيمها في أنفسنا.

على أن من يعملون قليلاً هم الذين يعجلون في استنفاذ قوة حواسهم العصبية وذلك لأن تثأقلهم عن العمل يلقي في قلوبهم الخوف حتى ليغصون بالماءِ الفرات ومن يقع في نفسه أنه قام بكل ما يقدر عليه يتوقع أبداً والسكون رائدة نتيجة اجتهاده الذي قلما يضيع بأسره.

والحال سواءٌ في الأعمال العقلية والأعمال اليدوية وجميع أعمال حياتنا على أنواعها وفي جملتها الحب وما يتصرف عليه لا تتعب إلا إذا كانت متقطعة نادرة أوغير مألوفة وعارضة بدون تسلسل بينها. والعادة والميل يزيلان مفعول المؤَثرات العصبية. ولقد بحثت قديماً في حالة المشاهير والطريقة التي يجري عليها كبار المفكرين من كتابنا في حياتهم فما رأيتهم يتوقعون أن يوحى إليهم من السماءِ بالخواطر والأفكار بل إنهم كانوا ينشدونها بطول الثبات وانتظام أعمال انتظاماً تاماً فكان أعاظمهم يبدأُون بعملهم كل صباح في ساعة معينة على نحو ما يشرع المستخدمون في مكتب تجاري بعملهم وكان دوام تحديقهم في شيءٍ واحد يضاعف أفكارهم بحيث تكون عالية عظيمة وكان الصبر الطويل عند معظمهم أول الملهم القويّ في عقولهم وقد عمروا إلا قليلاً منهم أمثال بالزاك الذي قتلته همومه وزولا الهالك بعارض طرأَ وموسيه قضى من تعاطي المسكرات وبولير وجول دي كونكور والفونس دودى وموباسان قضوا نحبهم عقيب أمراض طرأت عليهم عرضاً وما قط نسب موتهم قبل استيفاءِ سني حياتهم للعمل الذي كانوا يتعاطونه؟

وهنا نأتي على التدأبير التي تعين العاملين فلا يلاقون نصباً ولا صباً. فاعلم أنه ليس