يظهر أن نوع العمل الذي اعتاد الناس أن يدعوه عقلياً لأنه يستدعي شيئاً من الجهاد العصبي هو أقل موافقة لقواعد الصحة وأقل نفعاً من عمل الحقول والمعامل. فحياة من يقضون أوقاتهم في الغرف فيها ما يعوّد التركيب النامي على كسل الأعصاب وليس فيها بوجه من الوجوه ما يبعث النشاط في إسقاط المسممات وقلما يطعّم طعاماً أو يشرب شراباً ويدخن وهو يعمل.
فمن يقضي نهاره في أماكن ضيقة غير معرضة للهواء ولا يجري من أنواع الرياضة إلا ما يأتيه كل يوم من القفز إلى الحافلة ليصل بها إلى داره لا شك إنه يصاب بوجع المفأصل وما إليه من الأوجاع الكثيرة ولا تلبث حواس الإفراز مثل الأحشاء والكبد والكلية أن تتدرن فلا تعمل عملها وينتهي ذلك بفساد الصحة عامة والهرم العاجل.
فإذا كان من يعمل بعقله حامي الرأس بارد الأرجل ضعيف المعدة متداعي الأحشاء رخو الأعصاب ضعيف السوق فهو بلا مراءٍ عرضة أكثر من عامل المدينة والحقول لسوءِ الهضم والبدانة والصلع والنقرس وضعيف المجموع العصبي ولأمراض كثيرة سببها البطءُ في التغذية.
هذا حظ العاملين بعقولهم ممن يعملون لغيرهم ولا يتحملون أقل مسؤولية أما من يعملون بعقولهم ويديرون حركة أشغالهم فيكون لهم خيرها وشرها وخلها وخمرها فأولئك أناس تضطرهم الدواعي إلى إجهاد القوى والدقة وتجديد جُدة الأرادة والخوف من السقوط والقلق مما يأتي به الغد ويكثر المصابون بضعف المجموع العصبي من أرباب الأشغال العقلية من مثل المهندسين وأصحاب الصنائع والسياسة والشبأن الذين يستعدون لتقديم الأمتحانات أو الدخول في المسابقات.
ولقد كنت لأول أمري مثل كثير من رصفائي في طب الالأم العصبية أذهب إلى أن ضعف الجهاز العصبي كان ينبعث في الغالب من الإجهاد في العمل والإفراط فيه أما الأن فقد علمت بالتجربة خمس عشرة سنة أن الإعتقاد بأن أهم سبب في المتاعب العصبية ناتج في الأكثر من عمل مؤَثر وغم وشدة الجد وكد الذهن في موضوع مخصوص والعمل القلق والمؤثرات من الأفكار والملقيات في الإضطراب والتذبذب من مثل النظر إلى الغاية وتوقع الثمرة.