أن ثمت نشوءاً دائماً لا حد له نحو (الذاتية) العقلية. وغاية ما أريد أن أقول أن المرءَ في العهد الحديث ولاسيما في خلال القرن التاسع عشر أحس من نفسه بأنه اتسع في صدره على نسبة كبيرة الشعور بالقوَّة المنظمة للذكاء وللأرادة الإنسانية فصرف همته من وراءِ الغاية إلى إحراز القوَّة العلمية أو الفنية والاقتصادية أو السياسة فالجهاد ربما كان أعظم حادث في القرن التاسع عشر وبه تمت الغلبة للعقل العلمي المستقل على ما عداه. على أنه من الثابت أن الغريزة الدينية التي كانت تخضع الأرواح في القرون الوسطى للأسرار الإلهية وتحملها على تبجيل هذا التقليد في الدعوة الربانية وتخنعها للعبادة والخضوع للنظام العام وتحملها على الخضوع لقانون العالم بل على الخشوع المحترم أمام معميات العالم لا بالسلطة والعنف_هذه الغريزة لم تبرح تسمع لها إلى عهدنا ركزاً. يعمل ابن العصر بما فيه من قوّة على تسخير العالم لذكائه وأرادته وهو يفاخر بقوَّته ولكنه يظل محساً بما في نفسه من ضيق مضطربة في الإستيلاء على المادة ولم سيما في القوى اللامتناهية المخوفة التي تحيق به ويشعر بها في النفس التي تتجلى من التقاليد العظيمة الدينية أوالأخلاقية السياسة أو الاجتماعية مضيفاً هذا إلى سنن السلوك التي أملاها العقل.
يهم البحث في حالة ألمانيا في القرن التاسع عشر من وجهتين وذلك لأن الألمان كانوا في أوروبا الشعب الذي أبلى بلاءً حسناً في خدمة الفنون العقلية والأرادة المنظمة والأمة التي تفتحت بينها (الذاتية) الحديثة على أدهش صورة وهم مع ذلك من الأمم التي حفظت للفكر الديني والاحترام التقاليد الدينية قوّة أكثر من غيرها. فقد ساعد الفكر الألماني كل المساعدة على أنتشار العلوم الحسية وأحكام التفسير العقلي للعالم. فإنتظمت القوّة الألمانية على طريقة حسنة المنهاج هائلة الحول والطول فقصدت بجد لا نظير له إلى إحراز القوّة الاقتصادية والقوّة السياسة. بما أصبحت به ألمانيا إحدى الدول التي هي أعظم الناس انتشاراً وارتقاءً على نحو ما هي إنكلترا والولايات المتحدة. وهكذا رسخ العقل الألماني بتأثير من الطراز الأول وأداة من القوّة ومن قلة تسامحه سلاحاً.
ولطالما حاول العقل الألماني أن يتفق ما أمكنه مع السلطات القديمة وحاول في الدينيات عقد عهود التحكيم مع المعتقدات التقليدية وذلك بأن يصلح النصرانية لا أن يشتد في حربها وكان من العقل الألماني في السياسات أنه لم يجعل من كل قطعة مملكة تقوم بنظام العقل