حقيقي معلناً بأنه ليس في الأرض سلطة لها حق التسلط على الحرية البشرية وأن المرءَ يشرع لنفسه ويقنن لإجتماعه وأنه إذا خضع لقانون الأدب فإنه يخضع بذلك لعقله الخاص فكان من (كانت) أن تم على يده في دائرة اللاهوت الأدبي عمل قريب المأخذ وفتح بذلك عصراً جديداً في تاريخ الوجدان الأدبي وبفضله تم للإنسانية استقلالها وللعقل تحريره.
وأنشأت الإنسانية بعد ذلك تتناغى بهذا العقل وتؤيده بمضاءٍ دائم وفضت زيادة على ذلك الاعتقاد بأن الشخص المفكر العامل لا يعترف بسلطة فوقه يجب عليه الخضوع لها وزاد في ابن العصر الشعور بأنه لا يجب أن يخضع بل أن يدير وينظم ووطد نفسه على تجشم المشاق في استخراج خيرات الأرض بقوة الفكر وعلى العمل لتنظيم الحياة في كل مظاهرها بقانون العقل وذلك من حيث الأخلاق والاقتصاد والاجتماع والسياسة. وقام الفيلسوف نيتش ونادى بإنكار الألوهية في فلسفته الذاتية العصرية على صورة متطرفة غربية ولم ينكر من يقول أهل اللاهوت بوجود بل مجد المولى الفاعل الذي يعتقد به علماءُ ما وراءِ المادة وأخذ يدعو الإنسان أن يبقى (مخلصاً للأرض) وأن يطرح جانباً كل اهتمام بمسائل الآخرة وأن يفهم بأنه هو موجد الأشياء قائلا أن ليس فيما عداه حقيقة مرئية أدبية أوطبيعية يجب عليه الخضوع لها بل عليه أن يشرع لنفسه شريعته حراً مستقلاً.
وأن ليس في العالم إلا مركز قوى لاتزال في نشوءٍ وهي أبداً في تفاعل وتدافع يؤَثر بعضها في بعض. فالجد في إحراز الحول والمنعة المتزايدة على المدى تلك المنعة التي تُخضع لسلطانها جزءاً عظيماً من القوى هو العمل الرئيسي في الحياة العامة. وبذلك صح قولنا أن المباينة تمت على أشدها بين العقل في القرون الوسطى والعقل اليوم. فصار المؤمن وهو يشعر من جهة بأنه محاط بأسرار وأعاجيب ويخضع مختاراً لسلطة التقليد الديني والأدبي والعملي ومن جهة ثانية يرى الشيطأن المريد الذي لا بعترف أصلاً بقانون ولا يد فوقه ويرى في الجهاد المتوأصل لإحراز المنعة أنه هو حظ الإنسان على الدوام بل قسط الإنسانية من العالم أجمع.
وإذا عارضت على هذه الصورة بين السلطة القديمة والذاتية الحديثة فلا أدعي بحال من الأحوال أنني أثبت أن لأحد هذين الرأيين في الحياة قيمة خاصة به تسمو منزلتها عن الأول ولا أن أحدهما يجب بطبيعة الحال أن يختلس مكان الثاني ولا أن التاريخ يدلنا على