للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللغات الغربية كبير أمر وأن العالم يستفيد من الوجود أكثر من استفادته مما دوّنه كبار أرباب العقول من أمم الحضارة فهذا من الآراء التي يقصد بها الاعتذار عن التقصير ومن جهل شيئاً عاداه. إذ من الثابت المقرر أننا مهما تأملنا في صحيفة الكون لا نستطيع أن ندرس فيه نظام الإجتماع ولا تقننين القوانين ولا الطب والهندسة ولا الفلك والطبيعة والكيمياء وفنون الأدب والتاريخ ورسم الأرض وغيرها من الفروع الكثيرة التي لا أسماء لها في العربية إذلم يكن للعرب عهد بها ولا تتم سعادة مجتمع اليوم إلا بتعلمها وإتقانها.

ومن قال بأن أسلافنا من العرب قد أجالوا في هذه العلوم قداح أنظارهم ووضعوا فيها ما وضعوا من رسائلهم وأسفارهم فهو على صواب وخطاءٍ. وذلك أن أجدادنا قاموا بالواجب من خدمة هذه العلوم في عصر تماسكهم وانبساط ظل دولتهم إلا أنه انقطعت سلسلتها بعد القرن السادس إلى منتصف القرن الثالث عشر للهجرة وهي القرون التي كانت فيها الأمة العربية في غفلة والأمم الغربية في انتباه فأخذ الغرب عن الشرق ما عنده من حضارة وزاد عليها أضعافاً ولايزال يركض طرف عقله في مضمار البحث والاستقراء ويعاني من ضروب العلم ما نحن فيه معه أجهل من تلميذ مبتدئ بالتهجئة بالنسبة إلى عالم يكتب الكتاب ويقصد القصيد.

فالأمة العربية إذا أرادت النهوض العقلي والعملي يجب عليها أن تأخذ من كل علم بالسهم الأوفر ولا يتم لها ذلك إلا بالنقل عن الأمم الغربية وهذا لا يتأتى إلا بعد أن تخرج مدارسنا الألوف من الطلبة المتعلمين على الأساليب الحديثة لينشأ لنا منهم عشرات يكونون لنا عوناً على ما ينقصنا من أسباب نهضتنا وما تشتد حاجتنا إليه. ويكاد ذلك إلى الآن يعد مفقوداً بيننا اللهم إلا طائفة من أسفار نقلها بعض المولعين بالعربية وما تيسر للمجلات تعريبه من حين إلى آخر من علوم الغرب. وكله دون حد الكفاية بكثير. قال ابن رشد في فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال:

(إذا تقرر أنه يجب بالشرع النظر في القياس الفقهي فبين إنه أن كان لم يتقدم أحد من قبلنا بفحص عن القياس العقلي وأنواعه أنه يجب علينا أن نبتدئ بالفحص عنه وأن يستعين في ذلك المتقدم بالمتأخر حتى تكمل المعرفة فإنه عسير أوغير ممكن أن يقف واحد من الناس من تلقاء نفسه وابتداء على جميع ما يحتاج إليه من معرفة أنواع القياس الفقهي بل معرفة