القياس العقلي أحرى بذلك وإن كان غيرنا قد فحص عن ذلك الغير مشاركاً لنا أو غير مشارك في الملة فإن آراءَه التي تصح بها التذكية ليس يعتبر في صحة التذكية بها كونه آلة لمشارك لنا في الملة أو غير مشارك إذا كانت فيها شروط الصحة وأعني بغير المشارك من نظر في هذه الأشياء من القدماء قبلة ملة الإسلام).
(وإذا كان الأمر هكذا وكان كل ما يحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص عنه القدماء أتم فحص فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم فتنظر فيما قالوه من ذلك فإن كان كله صواباً قبلناه منهم وإن كان فيه ما ليس بصواب نبهنا عليه فإذا فرغنا من هذا الجنس من النظر وحصلت عندنا الآلات التي بها يقدر على الاعتبار في الموجدات ودلالة الصنعة فيها فإن من لا يعرف المصنوع ومن لا يعرف المصنوع لا يعرف الصانع فقد يجب أن نشرع في الفحص عن الموجدات على الترتيب والنحو الذي استفدناه من صناعة المعرفة بالمقاييس البرهانية ونبين أيضاً أن هذا الغرض إنما يتم لنا في الموجدات بتدأول الفحص عنها وأحداً بعد واحد وأن يستعين في ذلك المتأخر بالمتقدم على مثال ما عرض في علوم التعاليم فإنه لو فرضنا صناعة الهندسة في وقتنا هذا معدومة وكذلك صناعة علم الهيئة ورام إنسان واحد من تلقاء نفسه أن يدرك مقادير الأجرام السماوية وأشكالها وإبعاد بعضها عن بعض لما أمكنه ذلك مثل أن يعرف قدر الشمس من الأرض وغير ذلك من مقادير الكواكب ولو كان أذكى الناس طبعاً إلا بوحي أوشئ يشبه الوحي بل لو قيل أن الشمس أعظم من الأرض بنحو ١٥٠ ضعفاً أو ستين يعد هذا القول جنوناً من قائله.
وهذا شئ قد قام عليه البرهأن في علم الهيئة قياماً لا يشك فيه من هو من أصحاب هذا العلم
(قال وهذا أمر بين بنفسه ليس في الصنائع العلمية فقط وفي العملية فإنه ليس منها صناعة يقدر أن ينشئها واحد بعينه فكيف بصناعة الصنائع وهي الحكمة. وإذا كان هكذا فقد يجب علينا أن القينا لمن تقدمنا من الأمم السالفة نظراً في الموجدات واعتباراً لها بحسب ما اقتضته شرائط البرهان أن ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم فما كان منها موافقاً للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرنأهم عليه وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرنأهم).