هذا ما قاله الفيلسوف الإسلامي في عصر كان العرب أساتذة العلم في العالم وقوله كما رأيت غاية غايات الحكمة. وما الغربيون الآن بالنسبة إلينا إلا قدماء متقدمون وبهديهم يجب علينا أن نهتدي في العلوم. وهذا لايقدح فيما خلفه لنا أسلافنا من أثارهم أيام استئجار عمرانهم واتساع سلطانهم. أما اللغات الحديثة التي تشتد حاجتنا إلى الأخذ منها فهي الإنكليزية والإفرنسية والألمانية. وفي كل لغة من هذه اللغات من أنواع المعارف ما لا يكاد يحلم به من لا يعرف لغاتهم.
وليت شعري إذا كان بعض أهل الغرب والعلوم قد بلغت عندهم ما علمت من الإرتقاء الغريب يتعلمون لغات الشرق لينقلوا منها إلى لغاتهم بعض الكتب التاريخية والأدبية والأخلاقية والشرعية ويستعينوا بها على قراءة أثاره وما زبر على أحجاره أفلسنا نحن أحرياء بأن نتعلم لغاتهم على فقرنا الثابت ونقتبس منهم ما يعوزنا من علوم البشر؟
إلا أن ما نفاخر به من علم أسلافنا وحضارتهم العظيمة إنما قام بإحيائهم مدينة من قبلهم من الأمم كالروم والفرس وغيرهم ولم يتأت لهم ذلك إلا بترجمة علومهم والزيادة عليها وتحسينها فكانوا بذلك أحسن صلة وعائد بين أمم الحضارة السالفة والأمم الأوروبية الخالفة. فحضارة الإسلام أن أنصفنا قامت بفضل التراجمة والنقلة من اليعاقبة والإسرائليين والمسلمين لا بأيدي علماء الكلام مثلاً وقد كان على يد هؤلاء التشتيت وعلى يد أولئك الجمع وشتان بين المفرق والمجمع.
وليس معنى هذا أنكار فضل من تمحضوا لخدمة الشريعة واللغة في القرون الأولى للإسلام وما في الناظرين من يقول بأن الخليل والجاحظ والغزالي والمأوردي هم في حسن بلائهم في خدمة هذه الأمة دون أبي الريحان البيروني ونصير الدين الطوسي وحنين بن اسحق وثابت بن قره. وما كان قط أهل الفريق الأول يحتقرون علم الفريق الثاني ولا العكس لما وقر في النفوس من أن المجتمع لا يقوم على أمتن الدعائم إلا إذا أتقن كل ذي علم عمله. قال الجاحظ: (الإنسان وإن أضيف إلى الكمال وعرف بالبلاغة وفاتش العلماء فإنه لا يكمل أن يحيط علمه بكل ما في جناح بعوضة أيام الدنيا ولو استمد بكل نظار عظيم واستعان بكل بحاث واع وكل نقاب في البلاد ودراسة للكتب وما أشك أن عند الوزراء في ذلك ما ليس عند الرعية من العلماء وعند الخلفاء ما ليس عند الوزراء وعند الأنبياء ما ليس عند