ضؤولة فإنه في أعين على حفظ قول المصيبين وهدي للاقتداء بالصالحين ووفق للأخذ عن الحكماء فلا عليه أن لا يزداد فقد بلغ الغاية وليس بناقصه في رأيه ولا بغائضه من حقه أن لا يكون هو استحدث ذلك وسبق إليه وإنما حياة العقل الذي يتم به ويستحكم خصال ست: الإيثار بالمحبة، والمبالغة في الطلب، والتثبت في الاختيار، والاعتقاد للخير، وحسن الوعي، والتعهد لما اختير واعتقد، ووضع ذلك موضعه قولاً وعملاً.
أما المحبة فإنما يبلغ المرء مبلغ الفضل في كل شيء من أمر الدنيا والآخرة حين يؤثر بمحبته فلا يكون شيء أمرأ ولا أحلى عنده منه. وأما الطلب فإن الناس لا يغنيهم حبهم ما يحبون وهواهم ما يهوون عن طلبه وابتغائه ولا يدرك لهم بغيهم نفاستها في أنفسهم دون الجد والعمل. وأما التثبت والتخير فإن الطلب لا ينفع إلا معه وبه فكم من طالب رشد وجده وألغي معاً فاصطفى منهما ألذ منه هرب وألغى الذي سعى فإذا كان الطالب يحوي غير ما يريد وهو لا يشك بالظفر فما أحقه بشدة التبيين وحسن الابتغاء. وأما اعتقاد الشيء بعد استبانته فهو ما يطلب من إحراز الفضل بعد معرفته. وأما الحفظ والتعهد فهو تمام الدرك لأن الإنسان موكل به النسيان والغفلة فلا بد له إذا اجتبى صواب قول أو فعل من أن يحفظه عليه ذهنه لأوان حاجة شديدة فإننا لم نوضع في الدنيا موضع غناء وخقض ولكن موضع فاقة وكد ولسنا إلى ما يمسك بأرماقنا من المطعم والمشرب بأحوج منا إلى ما يثبت عقولنا من الأدب الذي به تفاوت العقول وليس غذاء الطعام بأسرع من نبات الجسد من غذاء الأدب في نبات العقل ولسنا بالكد في طلب المتاع الذي يلتمس به دفع الضر والعيلة بأحق منا بالكد في طلب العلم الذي يلتمس به صلاح الدين والدنيا.
وقد وضعت في هذا الكتاب من كلام الناس المحفوظ حروفاً فيها عون على عمارة القلوب وصقالها وتجلية أبصارها وإحياء للتفكير وإقامة للتدبير ودليل على محامد الأمور ومكارم الأخلاق إن شاء الله.
الواصفون أكثر من العارفين. والعارفون أكثر من الفاعلين، فلينظر امرؤ أين يضع نفسه فإنه لكل امرئ لم تدخل عليه آفة نصيباً من اللب يعيش به لا يحب أن له به من الدنيا ثمناً. وليس كل ذي نصيب من اللب بمستوجب أن يسمى في ذوي اللباب ولا أن يوصف بصفاتهم. فمن رام أن يجعل نفسه لذلك الاسم والوصف أهلاً فليأخذ له عتاده وليعد له طول