أيامه وليؤثره على أهوائه فإنه قد رام أمراًُ جسيماً لا يصلح على الغفلة ولا يدرك بالمعجزة ولا يصير عليه الأثرة وليس كسائر أمور الدنيا وسلطانها ومالها وزينتها التي قد يدرك منها المتواني ما يفوت المثابر ويصيب منها العاجز ما يخطئ الحازم.
وليعلم أن على العامل أموراً إذا ضيعها حكم عليه بمقارنة الجهال. فعلى العامل أن يعلم أن الناس مشتركون مستوون في الحب لما يوافق والبغض لما يؤذي وأن هذه منزلة اتفق عليها الحمقى والأكياس ثم اختلفوا بعدها في ثلاث خصال هن جماع الصواب وجماع الخطإ وعندهن تفرقت العلماء والجهال والحزمة والعجزة.
الباب الأول في ذلك
أن العاقل ينظر فيما يؤذيه وفيما يسره فيعلمك أن أحق ذلك بالطلب إن كان مما يحب وأحقه بالاتقاء إن كان مما يكره أطوله وأدومه وأبقاه فإذا هو قد أبصر فضل الآخرة على الدنيا وفضل سرور المروءة على لذة الهوى وفضل الرأي الجامع العام الذي تصلح به الأنفس والأعقاب على حاضر الرأي الذي يستمع به قليلاً ثم يضمحل وفضل الأكلات على الأكلة والساعات على الساعة.
والباب الثاني هو أن ينظر فيما يؤثر من ذلك فيضع الرجاء والخوف فيه موضعه فلا يجعل اتقاءه لغير المخوف ولا رجاءه في غير المدرك فيترك اللذات طلباً لآجلها ويحتمل قريب الأذى توقياً لبعيده فإذا صار إلى العاقبة بدا له أن فراره كان تورطاً وأن طلبه كان تنكباً.
والباب الثالث من ذلك هو تنفيذ البصر بالعزم بعد المعرفة بفضل الذي هو أدوم وبعد التثبت في مواضع الرجاء والخوف فإن طالب الفضل بغير بصر تائه حيران ومبصر الفضل بغير عزم ذو زمانه محروم. وعلى العاقل مخاصمة نفسه ومحاسبتها والقضاء عليها والإبانة لها والتنكيل بها.
أما المحاسبة فيحاسبها بما لها فإنه لا مال لها إلا أيامها المعدودة التي ما ذهب منها لم يستخلف كما تستخلف النفقة وما جعل منها في الباطل لم يرجع إلى الحق فيتنبه لهذه المحاسبة عند الحول وإذا حال والشهر إذا انقضى واليوم إذا ولى فينظر فيما أفنى من ذلك وما كسب لنفسه فيه وما اكتسب عليها في أمر الدين وأمر الدنيا فيجمع ذلك في كتاب فيه