إحصاء وجد وتذكير وتبكيت للنفسي وتذليل لها حتى تعترف وتذعن.
وأما الخصومة فإن من طباع النفس الأمارة بالسوء أن تدعي المعاذير فيما مضى والأماني فيما بقي فيرد عليها معاذيرها وعللها وشبهاتها.
وأما القضاء فإنه يحكم فيما أرادت من ذلك على السيئة فبأنها فاضحة مردية موبقة وللحسنة بأنها زائنة منجية مربحة. وأما الإبانة والتنكيل فإنه يسر نفسه بتذكر تلك الحسنات ويرجو عواقبها وتأمين فضلها ويعاقب نفسه بالتذكر للسيئات والبشع بها والاقشعرار منها والحزن لها.
فأفضل ذوي الألباب أشدهم لنفسه بهذا أخذاً وأقلهم عنها فترة ولى العاقل أن يذكر الموت كل يوم وليلة مراراً ذكراً يباشر القلوب ويقذع الطماح فإن كثرة ذكر الموت عصمة من الأشر وأماناً بإذن الله من الهلع.
وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين وفي الرأي وفي الأخلاق وفي الآداب فيجمع ذلك كله في صدر أو في كتاب ثم يكثر عرضه على نفسه ويكلفها صلاحه ويوظف ذلك عليها توظيفاً في إصلاح الخلة أو الخلتين والخلال في اليوم أو الجمعة أو الشهر فكلما أصلح شيئاً محاه وكلما نظر إلى ثابت اكتأب.
وعلى العاقل أن يتفقد محاسن الناس ويحفظها ويحصيها ويصنع غي توظيفها على نفسه وتعهدها بذلك مثل الذي وصفنا في إصلاح المساوي.
وعلى العاقل أن لا يخادن ولا يصاحب ولا يجاور من الناس ما استطاع إلا ذا فضل في الدين والعلم والأخلاق فيأخذ عنه أو موافقاً له على صلاح ذلك فيؤيد ما عنده وإن لم يكن له عليه فضل وإن الخصال الصالحة من البر لا تحيا ولا تنمى إلا بالموافقين والمهذبين والمؤيدين وليس لذي الفضل قريب ولا حميم هو أقرب إليه وأحب ممن وافقه على الخصال فزاده وثبته ولذلك زعم بعض الأولين أن صحبة بليد نشأ مع العلماء أحب إليهم من صحبة لبيب نشأ مع الجهال.
وعلى العاقل أن لا يحزن على شيء فاته من الدنيا أو تولى وأن ينزل ما أصاب من ذلك ثم انقطع عنه منزلة ما لم يصب وينزل ما طلب من ذلك ثم لم يدركه منزلة ما لم يطلب ولا يدع حظه من السرور بما أقبل منها ولا يبلغن سكراً ولا طغياناً فإن مع السكر النسيان