وعلى العاقل إذا اشتبه عليه أمران فلم يدر في أيهما الصواب أن ينظر أهواهما عنده فيحذره.
من نصب نفسه للناس إماماً في الدين فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه وتقويمها في السيرة والطعمة والرأي واللفظ والأخدان فيكون تعليمه بسيرته أبلغ من تعليمه بلسانه فإنه كما أن كلام الحكمة يونق الأسماع فكذلك عمل الحكمة يروق العيون والقلوب ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال والتفضيل من معلم الناس ومؤدبهم.
ولاية الناس بلاء عظيم.
وعلى الوالي أربع خصال هي أعمدة السلطان وأركانه التي بها يقوم وعليها يثبت: الاجتهاد في التخير ـ والمبالغة في التقدم ت والتعهد الشديد ت والجزاء العتيد.
أما التخير للعمال والوزراء فإنه نظام الأمر ووضع مؤونة البعيد المنتشر فإنه عسى أن يكون بتخيره رجلاً واحداً قد اختار ألفاً لأنه من كان من العمال خياراً فسيختار كما اختير ولعل عمل العامل وعمل عماله يبلغون عدداً كثيراً فمن تبين التخير فقد أخذ بسبب وثيق ومن أسس أمره على غير ذلك لم تجد لبنيانه قواماً. وأما التقديم والتوكيل فإنه ليس كل ذي لب وذي أمانه يعرف وجوه الأمور والأعمال ولو كان بذلك عارفاً لم يكن صاحبه حقيقاً أن يكل ذلك إلى عمله دون توقيفه عليه وتبيينه له والاحتجاج به عليه وأما التعهد فإن الوالي إذا فعل ذلك كان سميعاً بصيراً وأن العامل إذا فعل ذلك به كان متحصداً حريزاً وأما الجزاء فإنه تثبيت المحسن والراحة من المسيء.
لا يستطاع السلطان إلا بالوزراء والأعوان ولا تنفع الوزراء إلا بالمودة والنصيحة ولا المودة إلا مع الرأي والعفاف وأعمال السلطان كثيرة وقلما تستجمع الخصال المحمودة عند أحد وإنما الوجه في ذلك والسبيل إليه الذي يستقيم به العمل أن يكون صاحب السلطان عالماً بأمور من يريد الاستعانة به وما عند كل رجل من الرأي والغناء وما فيه من العيوب فإذا استقر ذلك عنده عن علمه وعلم من يأتمن وجه لكل عمل من قد عرف أن عنده من الرأي والنجدة والأمانة ما يحتاج إليه فيه وإن ما فيه من العيوب لا يضر بذلك ويتحفظ من أن يوجه أحداً وجهاً لا يحتاج فيه إلى مروءة إن كانت عنده ولا يأمن عيوبه وما يكره منه.
ثم على الملوك بعد ذلك تعهد عمالهم وتفقد أمورهم حتى لا يخفى عليهم إحسان محسن ولا