للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال الجاحظ تقول العرب: لولا الوئام لهلك الأنام وقال بعضهم في تأويل ذلك لولا أن بعض الناس إذا رأى صاحبه قد صنع خيراً فتشبه به لهلك الناس وقال الآخرون إنما ذهب إلى أنس بعض الناس ببعض كأنه قال إنما يتعايشون على مقادير الأنس الذي بينهم ولو عمتهم الوحشة عمتهم الهلكة.

وإذا لم يتيسر لبلادنا الآن أن نؤسس لها مجامع ومدارس لهذا الضرب من التعليم فما أحرى كل من رزق علماً خرج به عن العامية أن يجمع حوله طائفة من أهله وجيرانه يرشدهم ويلقنهم بحسب ما يعرف ويصحح لهم أفكارهم إلقاءً ويعلمهم ما لم يسعدهم الحظ بتعلمه في كتاب. ولا أعلم في بلادنا أحداً يهتم لتعليم العامة وتصحيح الأفكار مثل الشيخ طاهر الجزائري على اتساع مادته في العلوم المختلفة اتساعاً لم أره في عالم عربي وقد انتبه بعض علماء فارس لهذه النكتة فأخذوا ولاسيما في العهد الأخير يخدمون العامة بما ينفعهم ويطبقون لهم المدنية على حسب عقولهم وهم هناك بضعة عشر رجلاً ورأسهم المجتهد السيد جمال الدين فقد قرأت له خطباً في هذا الموضوع لا تقل في جودتها عن خطب أرنست لافيس وجبرائيل سيايل وغيرهما من فلاسفة فرنسا المعاصرين ممن لا يرون حطة في أقدارهم أن يتنزلوا لتعليم العامة لاعتبارهم إياهم عمد أخبية المجتمع وقواعد بنيان بني الإنسان.

إن يوماً نرى فيه هذه البلاد مملوءة بخزائن كتب يختلف إليها العامة فيتناولون فيها ما شاؤوا من المطبوعات والأسفار البسيطة النافعة ومدراس ليلية أو نهارية ابتدائية لتعليم الكبار والصغار والبنات والصبيان ومعارض ومتاحف في كل مديرية أو متصرفية أو عمالة لهو يوم سعيد يسوغ بعدها لأمتنا أن تدعي أنها راقية تستحق استقلالها في سياستها إذ حررت العقول من ظلمتها.