اكتشاف اليوم سيكون توراة أقدم من التوراة المعهودة وإن ما اكتشف حتى الآن ليدعو إلى الأمل في ذلك.
ولكي نمثل للأنظار طبيعة الصكوك اليهودية وخطارتها التي ظهرت للوجود في أسوان تقضي الحال بأن نرجع قليلاً إلى البحث في المسألة من أصلها. فقد كانت مصر عجيبة بما اكتشف فيها من أوراق البردي التي كتبت عليها لهجات أجناس من البشر مختلفة كثيرة ممن تعاقبوا احتلالها فيما سلف إلا أنها ضنت إلى اليوم كل الضنانة بإخراج كتابات باللغات السامية القديمة اللهم إلا بضعة عشر قطعة من البردي كتبت بحروف آرامية عثر عليها منذ نحو ثلاثين سنة. ولئن اختلف علماء المشرقيات في أمر هذه الكتابات لصعوبة حلها فالرأي المجمع عليه يكاد يكون متفقاً على أمر واحد وهو أن تلك الأوراق هي من عهد البطالسة اليونان كما هو الحال في بعض المنقوشات على الخزف والمزبورات على الحجر المخطوطة بلغة وحرف مشابه لها مما عثر عليه حتى الآن في مصر.
وإذ سنح لي الزمن منذ سنين بالتوفر على البحث في هذا الموضوع تبين لي حل آخر يخالف رأي غيري واستندت على أمور مختلفة استنتجت منها بأن جميع هذه الصكوك الآرامية يجب الرجوع بها إلى أقدم مما قدر لها من العمر أي إلى عهد الفرس الحجمانيين وعهد دارا وكسركس وأرتاكسركس.
وإذا صح أن الأمر كذلك فيكون منها أثر تاريخي لأنها لم تقف عند إبدال شيء من التاريخ بل يكون منها تغيير تام في المحيط السياسي والديني. تبين لي هذا الرأي المخالف للآراء كلها من تأويل إحدى قطع تلك الأوراق من البردي المكتوبة بالآرامية المعرفة ببردي تورين فقد قرأت فيها رأس محضر رسمي أرسل إلى أحد المرازبة في مصر وعليه اسم ميتراوهيشت وهو اسم آرامي لا محالة. ورأيت تناسباً في التعبير المستعمل بين هذا المعروض وبين الذي أرسله إلى الملك أرتاكسركس حاكم بلاد السامرة بشأن منع إعادة بناء معبد القدس الذي شرع فيه اليهود ثم تم على يد نيحيميا وهو المعروض الذي حفظ بنصه الآرامي في كتاب أسترادس المتعلق بالتوراة. وظاهر أن هذا الاستنتاج التاريخي يتناول مجموع النصوص الأخرى المماثلة لها التي صدرت في تلك البلاد ولم تلبث أن تحقق أمرها بما تهيأ لها من الاكتشافات المتعاقبة في مصر وغير ذلك من الكتابات والرقوق