بالثريد المعروف وهكذا الحال في أنواع الأطعمة فإن مطاعم الشعب لا تبحث لصنع حسائها عن الحبوب التي تكثر تغذيتها وتقل قيمتها كالأرز والشعير والقرطمان.
ولعل هذا ناتج من أن للفقير من عزة النفس ما يجعله يأنف من بعض الأطعمة حتى أنك لو قدمت له طعاماً مؤلف من الفضلات اللذيذة لرأى في المسألة نظراً. وكثير من الفنادق توزع بقايا الطعام على الفقراء. وقد قال أحدهم يوماً وخدام أحد الفنادق يريدون أن يطعموه: إنهم أكلوا الأطايب ولم يتركوا إلا الأخابث. وأظهر من هذا صراحة ما قاله الدكتور فيرون: أريد أن أعرف ماذا جرى للكمأة فإنني لا أجدها قط.
إلا وأن كل اختراع في هذا السبيل ليصعب ويسوء قبوله بين هؤلاء الزبن وما أظن أنه لو قام أحد المحسنين في هذا القرن وأنشأ يطعم الفقراء من الفضلات التي تطرح في الأزقة على طريقة علمية إلا ويكون شأنه شأن سويه الفرنسوي منذ ستين سنة. وهذا الرجل كان من أعظم الطهاة اشتهر في وقته وله شراب منسوب إليه كما له مرق اشتهر به فقد كان مديراً لمطابخ ريفورم كلوب في لندن فزعم أنه اكتشف طريقة لمكافحة القحظ في إيرلاندا وأسس في أحد شوارع دوبلين بأمر الحكومة مطعماً للشعب واحتفل بافتتاحه فحضر الاحتفال جمهور كبير من الناس ومنهم رئيس أساقفة دوبلين ونائب ملك إيرلاندا وقدم للناس سبعة أنواع من الطعام على أخونة لطيفة وفي أوان حسنة وكانت نكهة أنواع الحساء تنبعث كالعطر واستطاب الناس تلك الأحسية وأقبلوا على محله إقبالاً غريباً يفدون خماصاً ويروحون بطاناً. دام الحال على هذا المنوال شهراً وأولمت الولائم لسويه في المدينة حتى أن نائب الملك دعاه لتناول الطعام على مائدته. وأخذ الفقراء يباركون اسمه لأنه كان لهم بمثابة المسيح الذي أنقذهم من مخالب الجوع والمخمصة وفي خلال ذلك عزمت دار الندوة أن تقرر إنشاء مطابخ للشعب تشبه مطاعم سويه في بلاد الأقاليم إنقاذاً للناس من فتكات الجوع وعندما خطر لسوئه أن ينشر كراسه يكتب فيها كيفية تحضيره هذه الأنواع من الأحسية قائلاً أن لحومها قليلة وكثير منها خال من اللحم بالمرة فقامت الجرائد المعارضة تشهر عليه حرباً عواناً قائلة أن أنواع هذا الحساء لا تغذي طاعمها وتفسد بنية الإنسان وينشأ عنها أمراض شديدة بل مهلكة وذهبوا إلى أن انكلترا رأت في هذا الطعام القتال أحسن واسطة لإلقاء السلام في إيرلاندا للتخلص بصور شريفة من ألوف البائسين