عن النهوض بما أفسد طول أيام حضارتها من أخلاقها منذ عصور بعيدة أو آلاف من السنين حتى صارت من ذلك إلى حال تشبه حال المريض الذي يعدي السليم. وليس فساد الأخلاق في المشرق بقريب عهد بل هو يغلغل فيه من عهد طويل بدليل ما نقل في التاريخ عن أحد قناصل رومية أنه قال إنا وإن غلبنا الشرقيين وهزمناهم ودوخنا ممالكهم إلا أنهم ثأروا منا بأن تركوا لنا مع هذه الممالك أخلاقهم المنحطة.
وفي الحقيقة أن الرومانيين وإن بلغوا من عزة الملك والسلطان باستيلائهم على المشرق ما بلغوه إلا أنهم منذ وطئوا بأقدامهم أرض المشرق خطوا الخطوة الأولى إلى الانحطاط بما تسنى لهم فيه من وسائل الترف التي كانت متوفرة يومئذ عند الشرقيين فغلبت على نفوسهم الشهوات وحب الراحة والتنعم بنعيم أهل المشرق ففسدت فطرتهم البدوية التي مهدت لهم بسلامتها من شائبة الحضارة سبيل الغلبة على القرطاجيين والرفس وغيرهم والتسلط على الغرب والشرق حتى إذا خالطوا أمم المشرق التي كان لها حظ من الحضارة ولم يحتاطوا لأنفسهم من آفات المدنية الشرقية التي تسممت بفساد الأخلاق سقطوا من حالق مجدهم ذلك السقوط المريع وغشيهم بعد ذلك من الضعف والذل ما ذهب بدولتهم. ومحا من عالم الاجتماع اسمهم. وحسبك أن تعلم مبلغ انحطاط الأخلاق في دولة الرومانيين في المشرق من تعاليم عيسى عليه الصلاة والسلام التي ترمي إلى الزهادة في نعيم الدنيا لتقف بالقوم عن الإمعان في مذاهب الشهوات والاستسلام لمطالب النفوس الهائمة بحب الانطلاق عن كل قيد. وهذا شأن المشرق أيضاً مع من سبق من الرسل أصحاب الشرائع التي جاءت كلها لتقويم أود النفوس وإنما تنزل هذه الشرائع عند الحاجة كما هو معلوم بالضرورة فكان المشرق لاستحكام الحضارة في أهله وتأصل فساد الأخلاق فيه لم تنقطع حاجته إلى رسول أو شريعة تقوم منآد ساكنيه.
وما أصاب الرومان من مخالطة الأمم المتحضرة من سكان المشرق أصاب العرب أيضاً فهم وإن كانوا من أهل المشرق غير أنهم من شعوبه البدوية التي تسيجت من تطرق الحضارة إليها بسياج واق من الصحاري الشاسعة التي تحيط بجزيرتهم حتى إذا بعث الله نبياً منهم بشريعة تدعو إلى الخير وترمي إلى تهذيب أخلاق الأمم ونهضوا لنشر هذه الدعوة وتقدموا للفتح كان لهم من سلامة الفطرة وطهارة الأخلاق ممهد عظيم لبسط جناح