بغرابة أخلاقهم وتشتت أفكارهم التي جرت مجرى الأمثال. وبالجملة فيقضى على كل مخص في العلم أو في الصناعة أن يحرز حظاً من المعارف لأول أمره وأن يخصي في علمين أو ثلاثة فإذا مارس أحدها أراح غيره أهـ.
وقال الراغب الأصفهاني في الذريعة: حق الناس أن لا يترك شيئاً من العلوم أمكنه النظر فيه واتسع العمر له ألا ويخبر بشمه عرفه وبذوقه طيبه ثم أن ساعده القدر على التغذي به والتزود منه فيها نعمت وإلا لم يصر لجهله بمحله وغباوته عن منفعته إلا معادياً له بطبعه
فمن يكُ ذا فم مرّ مريض ... يجد مراً به الماَء الزلالا
فمن جهل شيئاً عاداه والناس أعداء ما جهلوا بل قال الله تعالى وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم. وحكي عن بعض الفضلاء أنه رؤي بعد ما طعن في السن وهو يتعلم أشكال الهندسة فقيل له في ذلك فقال: وجدته علماً نافعاً فكرهت أن أكون لجهلي به معادياً له ولا ينبغي للعاقل أن يستهين بشيء من العلوم بل يجعل لكل حظه الذي يستحقه ومنزله الذي يستوجبه ويشكر من هداه لفهم وصار سبباً لعلمه. ولقد حُكي عن بعض الحكماء أنه قال: يجب أن نشكر أيادي الذين ولدوا لنا الشكوك إذ كانوا سبباً لما حرك خواطرنا لطلب العلم فضلاً عن شكر من أفادنا طرفاً من العلم ولولا مكان فكر نم تقدمنا لأصبح المتأخرون حيارى قاصرين عن فهم مصالح دنياهم فضلاً عن مصالح أخراهم. فمن تأمل حكمة الله تعالى في أقل آلة يستعملها الناس كالمقراض حيث جمع سكينين مركباً على وجه يتوفى حداهما على نمط واحد للقرض أكثر تعظيم الله تعالى وشكره ويقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين.
ومن أجمل ما يروى في باب الانفراد بعلم والإلمام بعلوم أخرى ما قاله أبو حاتم السجستاني قال: قدم علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عمال السلطان أبرع منه فدخلت عليه مسلماً قال: يا سجستاني من علماؤكم بالبصرة قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الصمعي والمازني أعلمنا بعلم النحو وهلال الرازي أفقهنا والشاذكوني أعلمنا بالحديث وأنا أنسب إلى علم القرآن وابن الكلبي أكتبنا للشروط فقال لكاتبه: إذا كان غداً فاجمعهم لي فجمعنا فقال: ايكم المازني فقال أبو عثمان أنا. فقال: هل يجزئ في كفارة الظهار عتق عبد أعور. فقال المازني: أنا صاحب عربية لست بصاحب فقه. فقال: يا زياد كيف تكتب بين رجل وامرأة خلعها