لا ينجو منه إنسان والحريق الذي لا يكون أبداً نتيجة سوء التدبير. والغرق والفيضانات والمقذوفات وسقوط السكك الحديدية. فهذه المصائب لا ينفع فيها إلا التسليم وهذا ما أعنيه بتولي القضاء على الشقاء لا تلك الضروب من الحوادث التي ليست في الحقيقة مادة الشقاء وأس أساس كل بلاء. على أنها ليست كلها مما يتعذر شفاؤه بل أن العلم بما بلغه من الارتقاء قد أحدث أساليب كثيرة لاستئصال شأفة تلك المواد فإذا لم تستطع أن تمنعها كلها ففي وسعك على الأقل أن تقلل صدماتها وتعدل من نتائجها. نعم إن الحذر قد لا يمنع من قدر. ولكن ليس هناك ما يمنع من التوقي منه بأن يبذل في سبيله ما لا بد منه من العناية ما أمكن. والضمان إذا لم يحل دون حرق العقار وضياع السفينة والموت بأخذ المرء من وسط أشغاله وعياله فهو على الأقل يهيئ السبل لإعادة بناء البيت وفتح المعمل والاستعاضة عن تلك السفينة فلا يدخل المرء إلى داره مع الحزن والخراب والفضيحة فيكون قد أتى بحشف وسوء كيلة.
وما أسباب الشقاس في الحقيقة إلا نتيجة أغلاط ناشئة من الجهل وأغلاط ناشئة من سلوك إذا تدبرنا مصيرها وتعلمناه وكانت لنا إرادة في إصلاح النفس كان في الإمكان الخلاص من الشقاء. فالمسألة متوقفة على قليل من المعرفة وقليل من الإرادة فعلينا أن نثير بصائرنا وبصائر غيرنا. والإرادة الثابتة تحول دون الشقاء. وجماع النجاح في ثلاث كلمات: المعرفة والإرادة والقدرة. والعلم والإرادة تولدان القدرة. ويقول تولستوي: إن داء الدواء لا يخرج عنا وليس هو محصوراً في تدابير الإدارة التي تتخذها الحكومات ولا في إدخال الإصلاح على المجتمع بطريقة عرفية قاسية وما الدواء إلا بيدنا بل القسم الأعظم منه فينا
فإذا أريد تحسين حالة الإنسانية فالواجب أولاً تحسين حالة الإنسان. وربما قام المشككون وقالوا وهل في الاستطاعة تغيير الناس فنقول لهم نعم نحن نستطيع تغييرهم بتأن ويجب علينا أن نسعى إلى تغييرهم وهذا في الإمكان.