النزهة في الشوارع والأزقة وباليد عصا وبطلت المظلات أو كادت كما بطلت العصي وبطلت عادة السير على الأقدام وعادة الراحة والغداء على العشب. فأصبحنا والفرد منا إذا جلس على الأرض يصعب عليه النهوض بحيث تخدرت على التوالي أرجلنا ووهنت قوانا. خل عنك تلك المصعدات التي تحملنا من الأدنى إلى الأعلى فقد نزعت من سوقنا قوتها على العمل ومن رئاتنا ما ينفعها في تصعيد السلالم.
ولا أكتمكم أنني كلما زرت بيتاً من البيوت القديمة التي لا تزال محافظة على إدراجها وسلالمها الرخام أجد في الصعود عليها نشأة وتجلى لي الحكمة الغريبة التي اهتدى إليها المهندسون وأنشؤوا تلك الأدراج ليصعد عليها بين الزهور بدون هزة وعلى مهل. وما أحلى ذلك وأنفعه. لا جرم أنه يعينك على أن تجمع فكرك وحواسك قبل أن تقرع جرس دارك أو دار من تزوره وتختلف إليه.
ولم يقف الأمر في سرعتنا عند هذا الحد بل تعداها إلى كلامنا فصرنا نتكلم بإيجاز ولا إيجاز صغار الزنوج في كلامهم. وأمسينا نسرع في نومنا ونقوم مذعورين ونحلم والضغط آخذ منا فنحن في المساء كالصباح لا نحسن الاضطجاع على سريرنا ولا نقرأ والقلم بيدنا نشير إلى ما يجدر نقله واقتباسه ولا نفكر الأفكار النافعة بل نسرع في الراحة أي سرعة.
وإذا رجعنا البصر في الأمور العقلية فإنك تجدنا نفاخر بما يعرض لأفكارنا كل يوم بل كل ساعة من التنوع فقد غدا الكاتب لا يعيد نظره فيما يكتب فنحن مضطرون إلى أن نجيد فيما نكتب كل يوم وكل من لا يؤلف روايتين في السنة أو ثلاث روايات مضحكة يعد مقلاً جاف القريحة. الكتب اليوم لا تؤلف بل تتساقط كما يتساقط الجوز. والغاية أن نكتب ولا عبرة بما نكتب ونتائجه. ومهما كان من اعتبار الإكثار والإخصاب فمن العقل أن نتحرز ونأخذ من عنان الأقلام مخافة أن نمسي للحال كالأم الضعيفة التي تأتي بالأولاد ضعافاً محتقرين. وما كل عمل جميل عظيم إلا ابن التأمل والصبر والجلادة ولطالما كان للوقت تأثير في تجويد الأعمال.
فالوقت جائزة تنال بأسرها والجمال أعظم العوامل فيها. فكما أن الوقت يوجد الجمال وينميه ويقيه العوادي وينحو به مناحي الكمال فكذلك الخرائب لا تكون خرائب إن لم يأت عليها الزمن ويمتد لها إلى ما شاء الله والأيام والشهور لا تكفيها بل يقتضي لها عدد لا