للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحصى من السنين لتستحق أن تذكر بين الخرائب وأن تخفق فيها الرياح ويثار عليها الغبار ويعبث بها الهواء وينزل عليها الماء والشمس وينبت فيها الطحلب والسندر المعرش وكل ذلك من عوامل البطء والجلادة.

ثم أن الناس أصبحوا يريدون الاستمتاع والانتفاع في الحال وإن يكون لهم أكثر من الدخل قبل أن يضعوا رأس المال وأن يجنوا بعد عشر دقائق من البذر. نقرأ مسرعين هذا إذا تظاهرنا بأننا نقرأ ونلقي نظرة على العنوان والفهرس ونقلب الطرف في بعض صحفات من الكتاب وهذا كل ما نقرؤه أغرقنا في حب العجلة حتى صرنا لا نقطع أوراق كتابنا بيدنا بل نوعز إلى الخادم أو كاتب سرنا أن يقطعها لنا.

أنا لا أجهل ما يجيبني به القارئ فيقول بأن الكتب كثرت وكذلك الجرائد والملاذ والسخرات والواجبات وإن الحياة قصيرة وإن الحال تقضي بأن نسترط الثلاث أو الأربع لقم في لقمة ولكن الحقيقة ليست كذلك فإن الحياة كلما تضاعفت وكثرت بحيث تجزأت كان علينا أن نقتصرها ونضم شملها. فها إنه تصدر كل صباح أربعون جريدة وهذا من جملة الأسباب الداعية إلى أن نزهد في قراءتها وكل أسبوع يصدر خمسون كتاباً ونحن لا نعرف منها إلا عشرها نعرفه أحسن معرفة فإن المفكرين أصبحوا يفكرون بسرعة ففدوا خاصية التفكر.

أصبح الواحد يحب ويبغض سريعاً ويسرع في التصديق كما يسرع في الجحود ويعطي ويمنع كذلك غير مكترث بنصائح الليل ومواعظ النهار. وأخذ الغضب يسارع إلينا ونحن لا نعرف كيف نغضب وعلى من نصب جام غضبنا. وليت شعري من يحتفل بالحب البطيء الصادر من أعماق القلب المتأني؟ ومن يحيكه أحسن حياكة وأمتنها ويبالغ في أحكامها خيطاً خيطاً باليد لا بآلة؟ ومتى نرضى الوقوف والتريث لنذوق طعم المواقف ونجني برسيم السعادة ونجلس هنيهات في الواحات؟

الحياة أقصر طريق يسلك من نقطة إلى أخرى ونحن نريد أن نقتصرها أيضاًَ؟