ضروب السرقات المدبرة. يأتي المرء هذه المنكرات بسائق الجهل ويرمي بنفسه في هذه المهالك التي كان في وسعه اتقاؤها فلا يظلم نفسه فقط بل يظلم المجتمع بما يرتكب من سخف ليس هو إلا اعتداءً عاماً هائلاً يورث تلك المجتمعات التي هو أحد أفرادها ضعفاً في رفاهيتها ونقصاً في ثروتها بل إنهاكاً لقواها ودفناً لحياتها. ليس من العقل في شيء أن يسوق المرء نفسه إلى مواطن الهلاك ويفادي بروحه وروح جيرانه بما يبذله من أحسن موارده المالية وقواه الكثيرة فيروح بعد ذلك ينفق على سعة على الجيوش المؤلفة من شجعان الشبان يرابطون على الحدود ويعهد إليهم أن يطردوا عن تخطيها كل وطني أو غريب يريد دخولها وهو يحمل أطعمة للجائعين وألبسة للعريانين وأدوات وآلات لمن لا سلاح لهم مواد أولية لمن يستخدمونها وسماداً للأراضي التي ضعفت قوة إنباتها ومواد كيماوية للأعمال الصناعية المختلفة. ولو حسن استخدام تلك الساعات الضائعة أو التي تصرف في الباطل والمواد أو الثروة المبددة للقضاء العام على بني الإنسان وبذل ذاك النشاط الكثير ووجهت وجهة العلم نحو الغاية المقدسة التي تطلب من تحسين حالة البشر والبعد بهم عن فساد الأخلاق والتباغض ـ لو تم كل ذلك لما صعب أن يقدّم لعامة من خانهم دهرهم ما يتبلغون به بل ما يصل بهم إلى الرفاهية والاحترام والسعة.
نعم ادعُ ما تقدم بما شئت من خطيئة أو جهالة أو جنون فالشر كل الشر الذي ابتلينا به إنما جاءنا من قبل أنفسنا إلا ما حدث بحسب الظاهر قضاء وقدراً ولكن يمكن على الجملة التعديل من حاله أو ما نشأ من البوائق الخارجية التي هي مناط عملنا وبيدنا أمرها. قالوا قديماً أن المرء لا يموت إلا إذا كانت له إرادة في الموت يريدون بذلك إثبات قوة الجهاد الأدبي. الشعوب لا تتألم إلا بسيئات ترتكبها وهي تنزع الشقاء من أساسه متى عرفت أو أرادت أن تقاتله بالفعل.
صناعات الملوك
رأى بعض ملوك الأرض أن الحكمة تقتضي عليهم بأن يتجروا لأنفسهم ويدخروا المال للطوارئ ولذلك كان مما يملك ملك إنكلترا سكة حديدية في الكندا ولإمبراطور ألمانيا معظم الأسهم في مجلتين تأتيانه بواردات وافرة ولملكة هولاندة مزرعة واسعة في قصرها في لو وللبابا مبالغ جسيمة وضعها في مصرف إنكلترا لحين الحاجة. ولكن بعض ملوك الإسلام