فاصل الأمر في الدين أن تعتقد الإيمان على الصواب وتجتنب الكبائر وتؤدي الفريضة فالزم ذلك لزوم من لا غناء به عنه طرفة عين ومن يعلم أنه إن حُرِمه هلك ثم إن قدرت أن تجاوز ذلك إلى التفقه في الدين والعبادة فهو أفضل وأكمل.
وأصل الأمر في إصلاح الجسد ألا تحمل عليه من المآكل والمشارب والباه إلا خفافاً وإن قدرت على أن تعلم جميع منافع الجسد ومضاره والانتفاع بذلك فهو أفضل.
وأصل الأمر في البأس ألا تحدث نفسك بالإدبار وأصحابك مقبلون على عدوهم ثم أن قدرت أن تكون أول حامل وآخر منصرف من غير تضييع للحذر فهو أفضل.
وأصل الأمر في الجود ألا تضن بالحقوق عن أهلها ثم إن قدرت أن تزيد ذا الحق على حقه وتطول على من لا حق له فافعل فهو أفضل.
وأصل الأمر في الكلام أن تسلم من السقط بالتحفظ ثم إن قدرت على بارع الصواب فهو أفضل.
وأصل الأمر في المعيشة أن لا تني عن طلب الحلال وأن تحسن التقدير لما تفيد وما تنفق ولا يغرَّنك من ذلك سعة تكون فيها فإن أعظم الناس في الدنيا خطراً أحوجهم إلى التقدير والملوك أحوج إلى التقدير من السوقة لأن السوقة قد يعيش بغير مال والملوك لا قوام لهم إلا بالمال ثم إن قدرت على الرفق واللطف في الطلب والعلم بالمطالب فهو أفضل.
وأنا واعظك في أشياء من الأخلاق اللطيفة والأمور الغامضة التي لو حنكتك سن كنت خليقاً أن تعلمها وإن لم تخبر عنها ولكن أحببت أن أقدم إليك فيها قولاً لتروض نفسك على محاسنها قبل أن تجري على عادة مساويها فإن الإنسان قد تبتدر إليه في شبيبته المساويء وقد يغلب عليه ما يبدر إليه منها.
إن ابتليت بالإمارة فتعوذ بالعلماء واعلم أن من العجب أن يبتلى الرجل بها فيريد أن ينتقص من ساعات نصبه وعمله فيزيدها في ساعات دعته وشهوته وإنما الرأي له والحق عليه أن يأخذ لعمله من جميع شغله فيأخذ من طعامه وشرابه ونومه وحديثه ولهوه ونسائه فإذا تقلدت شيئاً من الأعمال فكن فيه أحد رجلين إما رجلاً مغتبطاً به فحافظ عليه مخافة أن يزول عنك وإما رجلاً كارهاً فالكاره عامل في سخرة أما للملوك إن كانوا هم سلطوه وإما لله إن كان ليس فوقه غيره.