إياك إذا كنت والياً أن يكون من شأنك حب المدح والتزكية وأن يعرف الناس ذلك منك فتكون ثلمة من الثلم يتقحمون عليك منها باباً يفتتحونك منه وغيبة يغتابونك بها ويضحكون منها. اعلم أن قابل المدح كمادح نفسه والمرء جدير ن يكون حبه المدح هو الذي يحمله على رده فإن الراد له محمود والقابل له معيب.
لتكن حاجتك في الولاية إلى ثلاث خصال رضا ربك ورضا سلطان إن كان فوقك ورضا صالح من تلي عليه ما عليك إن تلهى عن المال والذكر فسيأتيك منهما ما يكفي ويطيب واجعل الخصال الثلاث بمكان ما لا بد لك منه والمال والذكر بمكان ما أنت واجد منه بداً.
اعرف أهل الدين والمروءة في كل كورة وقرية وقبيلة فيكونوا هم أخوانك وأعوانك وبطانتك وثقاتك ولا يقذفن في روعك أنك إن استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك فإنك لست تريد الرأي للافتخار به ولكن تريد للانتفاع به ولو أنك مع ذلك أردت الذكر كان أحسن الذاكرين وأفضلها عند أهل الفضل أن يقال لا يتفرد برأيه دون استشارة ذوي الرأي.
إنك أن تلتمس رضا جميع الناس تلتمس ما لا يدرك وكيف يتفق لك رأي المختلفين وما حاجتك إلى رضا من رضاه لجوروالي موافقة من موافقته الضلالة والجهالة فعليك بالتماس رضا الأخيار منهم وذوي العقل فإنك متى تصب ذلك تضع عنك مؤونة ما سواه.
لا تمكن أهل البلاء من التذلل ولا تمكن من سواهم من الاجتراء عليهم والعيب لهم.
لتعرف رعيتك أبوابك التي لا ينال ما عندك من الخير إلا بها والأبواب التي لا يخافك خائف إلا من قبلها. احرص الحرص كله على أن تكون خبيراً بأمور عمالك فإن المسيء يفرق من خبرتك قبل أن تصيبه عقوبتك وإن لمحسن يستبشر بعلمك قبل أن يأتيه معروفك.
ليعرف الناس فيما يعرفون من أخلاقك أنك لا تعاجل بالثواب ولا بالعقاب فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء الراجي.
عوّد نفسك الصبر على من خالفك من ذوي النصيحة والتجرع لمرارة قولهم وعذلهم ولا تسهلن سبيل ذلك إلاّ لأهل العقل والسن والمروءة لئلا ينتشر من ذلك ما يجترئ به سفيه أو يستخف له شأنٌ.